الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 19:02

أين أخطأت المشتركة والموحدة؟

بقلم: الصحافي وديع عواودة

وديع عواودة
نُشر: 04/06/21 13:33,  حُتلن: 19:54

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

ورد في اتفاق القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس مع قادة الإئتلاف الحاكم المقترح أنه " من حقنا تعيين نائب وزير في ديوان رئيس الوزراء لكننا أبلغناهم أن هذا القرار يعود للموحدة وليس من المؤكد أن نمارس هذا الحق لكنه وارد. هناك تفاهمات أخرى، الإعلان عنها يضر بالمساعي خاصة أن هناك حملة شعواء من اليمين لـ إفشالها". هذا ما قاله أحد قادة " الموحدة " وهل وظيفة وزير تعني أنك جزء من الحكومة أما وظيفة نائب وزير فلا ؟؟ في المقابل أعلنت المشتركة عن قرارها بـ الرغبة بالمشاركة في إسقاط رئيس الكنيست ياريف ليفين فـ لماذا لا تشارك أيضا بـ إسقاط رئيس الحكومة نتنياهو وهو الأولى بـ الإسقاط؟ ليفين نعم ونتنياهو فـ لا؟

هل هي رغبة " المشتركة " بـ الظهور بصورة الكتلة القادرة على التأثير مثلها مثل الموحدة ولكن بطريقة أخرى ربما بعدما استشعرت أن أوساطا شعبية واسعة تريد التأثير والمشاركة ؟ ثمة التباس وتناقض لحد معين في موقف " المشتركة " المستعد للمشاركة في استبدال رئيس الكنيست من جهة وعدم المشاركة في استبدال نتنياهو( إسقاط نتنياهو شعارها المركزي في الماضي) من جهة أخرى بدعوى " رغبتها تغيير السياسات لا الشخص فقط " كما قالت النائب عايدة توما – سليمان. كيف يستوي هذا الموقف مع ما أكده رئيس المشتركة النائب أيمن عودة لـ صحيفة " يديعوت أحرونوت " (في مقابلة لـ الصحفي نحوم برنيع ) في العام 2020 بأنه مستعد للمشاركة في حكومة يرأسها غانتس ؟

رغم انقضاء فترة تاريخية طويلة ما زال " متشائل " إميل حبيبي حيا يرزق وكذلك رغم مرور سبعة عقود ونيف ما زال دعم إئتلاف حاكم إسرائيلي بشكل مباشر من قبل حزب عربي في ظل استمرار الصراع الكبير بكل ساحاته بما في ذلك على هويةإسرائيل وحقيقة مواطنة المجتمع العربي الفلسطيني فيها هو خطوة غير مسبوقة وخطيرة. سبق وأن شاركت قوائم عربية الشكل ( إسرائيلية الجوهر) في إئتلافات حاكمة في إسرائيل مبكرا وطيلة فترة الحكم العسكري منها " الكتلة الديموقراطية للناصرة " برئاسة سيف الدين الزعبي وأمين جرجورة في انتخابات الأولى عام 1949 ولاحقا خاض الانتخابات وآخرون ضمن قائمة جديدة عرفت بـ " القائمة العربية الموحدة " وغيرها وأشغل الزعبي وآخرون مناصب نيابة وزير في حكومات إسرائيلية.

ولاحقا وفرّت الجبهة والحزب الديموقراطي العربي " كتلة مانعة " لـ حكومة رابين عام 1992 وبتوجيه من منظمة التحرير الفلسطينية تمهيدا للمصادقة على اتفاق كان يعّد له خلسة، اتفاق أوسلو وتفاصيل النشاط السري بهذا الخصوص داخل أراضي 48 من قبل مصر والأردن ومنظمة التحرير يملأ كتابا كاملا.

لم يصّوت نواب الجبهة( توفيق زياد،تمار جوجانسكي وهاشم محاميد) ونائبا الديموقراطي العربي( عبد الوهاب دراوشة وطلب الصانع) مباشرة مع حكومة رابين لكنهم حالوا دون إسقاطها من اليمين الصهيوني عام 1993 بعد انسحاب كتلة " شاس" منها على خلفية أوسلو.

هذه المرة قررت القائمة العربية الموحدة أن تتقدم للأمام خطوة كبيرة نحو المشاركة الفعالة بـ اللعبة السياسية الإسرائيلية من خلال التصويت المباشر مع " حكومة التغيير " وربما إشغال نيابة وزير فيها. لا شك أن قرار المشتركة الثانية في التوصية على غانتس قد مهّد لهذا الاندفاع نحو الاندماج بـ اللعبة الإسرائيلية.

صورة عقد الزواج
ينطوي قرار " الموحدة " على أن تكون جزء من الإئتلاف وربما من الحكومة على خطوة سابقة لـ إيوانها لأن الظروف السياسية لم تنضج بعد لرفع مستوى المشاركة لهذا المستوى. تبدو هذه خطوة واحدة لكنها كبيرة وتاريخية فهي تنم عن تنازل وتسوية من قبل الموحدة المنتمية لـ مجتمع ينتمي لشعب فقد الوطن، ومواطنته ما زالت غير حقيقية بل عالقة. كان الراحل سميح القاسم يقول في سياق مشابه وفي مديح السلوك البراغماتي عن تكّيف الفلسطينيين المتبقين في وطنهم وصاروا مواطنين داخل الدولة اليهودية إنهم " يقومون بـ أكبر دور مسرحي في العالم" ويبدو أن المسرحية لم تبلغ نهايتها تماما بعد. ورغم ذلك وبموجب هذا المنطق ما زالت خطوة " الموحدة " دراماتيكية وسابقة تاريخية وتسبق زمانها ومحفوفة بالمخاطر بالنسبة لـ الموحدة وعلى المجتمع العربي. هي خطوة تستبطن دلالات سياسية عميقة أبرزها اعتراف هام ليس من الموحدة فحسب بل المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل لـ حدّ معيّن. اعتراف ليس بـ حكومة معينة بل بالنظام السياسي الإسرائيلي والاندماج فيه بل بالمشروع الدولاني كله. الاعتراف حصل بمجرد التوقيع الموثقّ بـ صورة نادرة تحيل لـ صورة توقيع عقد زواج بحضور العروسين ووكلائهما مع المأذون. الاعتراف تحقق حتى لو لم يتم الزواج أو سقطت " حكومة التغيير " بعد شهور أو لم تقم أصلا. في المقابل تبقى المكاسب التي يحملها اتفاق " الموحدة " أقل من الثمن السياسي المدفوع من قبل الموحدة ومن قبل المجتمع العربي من هذه الناحية فـ الاعتراف ذخيرة وورقة لعب يفترض أن تستخدم مقابل اعتراف مشابه على الأقل من قبل الطرف الآخر بـ مواطنة حقيقية لمن هم أصحاب الوطن الأصليين. هذه المكاسب مهمة خاصة خطة مكافحة الجريمة وغيرها وخاصة أنها تسقط المحرّض الأكبر والأخطر وتغلق حسابا تاريخيا معه- نتنياهو الذي يرى كل الفلسطينيين بسقوطه خبرا سارا لعدة أسباب وبحق.

ومع ذلك تبقى المكاسب المدنية أقل من الثمن في هذه الصفقة التاريخية خاصة أنها تخلو من الحقوق السياسية وتكاد تقتصر على الحقوق المدنية( وإن كان حماية البيوت العربية وتسمين البلدات العربية ذو بعد سياسي وطني) ومن البعد والمبرر السياسي الفلسطيني( لا توجد في الأفق تسوية مع الشعب الفلسطيني تحتاج مساعدة المواطنين العرب في إسرائيل لتثبيت حكومة تتجه نحو هذه التسوية وبطلب من القيادة الفلسطينية كما حصل في 1992) وخاصة أن بعض بنودها المهمة غير مضمونة وتبقى في خانة الوعود.

مقدار المناعة وقدرة التحمّل
أمام الحالة الراهنة والمستقبلية وأمام التحديات الداخلية الخطيرة التي يواجهها المواطنون العرب الفلسطينيون في إسرائيل(19%) وإزاء مشاكلهم العالقة الحارقة أصابت الموحدة بقرارها بالمساهمة في تغيير النظام الحاكم وفي محاولة انتزاع حقوق مدنية لأن اللعبة الدائرة لا تمنح هذه الحقوق لأصحابها لـ كونهم جديرين بها. القول إن الحقوق ينبغي أن تعطى دون شروط أو مساومة هذا صحيح ولكن هذا لا يحدث في إسرائيل. كذلك فإن المناعة الذاتية للمجتمع العربي رغم كل نقاط قوته غير متوفرة بمقدار يتيح الصبر أكثر والقبض على جمره وإبقاء مشاكل ملحة عالقة كـ استشراء الجريمة وهدم المنازل وتحويل البلدات العربية لـ علب سردين. مع استمرار هذه المشاكل الحارقة ورغم مشاهد الهبة الشعبية والفزعة للأقصى من الممكن أن يجد المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل جيله الجديد يتجه للانخراط باللعبة السياسية الإسرائيلية كيفما اتفق وربما من خلال البحث عن حلول عبر أحزاب صهيونية. النأي عن النفس وعن اللعبة الإسرائيلية والتمتّرس فقط في المعارضة هو أقرب لـ طهرانية لا تغني ولا تسمن من جوع ومرشحة لـ أن لا تدوم خاصة في ظل تراجع العمل الحزبي، التعبئة والتثقيف والنشاط الجماهيري وعندئذ يجد المعارضون أيضا لـ أي مشاركة سياسية أنفسهم في واقع لا يرضيهم.

التمثيل مقابل التأثير
إن وجود العرب في الكنيست مبكرا منذ انتخابات الأولى 1949 فيه علامات سؤال وأمر غير مفهوم ضمنا وهو صعب كونه بدا وقتها عندما كان دخان النكبة يتعالى من الأرض المحروقة كـ المشاركة في حفل زفاف من قتل أمك وإن كان أنصاره( الحزب الشيوعي الإسرائيلي) يسوّغونه بـ الرغبة بتثبيت البقاء والمشاركة بـ مسرحية سمح القاسم. أما اليوم وبعد 73 على النكبة وعلى جريان الكثير من المياه في الأردن والعوجا والمقطع لم يعد البقاء مبررا كافيا وكذلك التمثيل السياسي لتبرير البقاء في الكنيست أمام ازدياد الحاجة الملحّة للتأثير أيضا على مجريات الأمور. وبات التأثير على صناعة القرار لا يقل أهمية عن التمثيل السياسي الجماعي لأن هناك حقوقا مستحقة لا تتأتى ومشاكل عالقة لا تحل لمجرد إن المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل أصلانيين ومحقّين. أن تكون محقا لا يكفي. لذا فـ الدعوة لـ موقف سلبي غير مبال يبقى بـ نهاية المطاف نتنياهو في الحكم أو الذهاب لـ انتخابات خامسة فهو موقف فيه عبثية وصبيانية سياسية خاصة أن هذه حلم نتنياهو .. أيضا من ناحية التراجع المتوقع للتمثيل العربي عندئذ..

الروح والجسد.. الوطن والمواطنة
ومع ذلك أين أخطأت الموحدة ؟ كان يمكن لـ الموحدة أن تكتفي بدعم غير مباشر : بالامتناع عن التصويت مقابل ما حازت عليه لأن الانتقال للتأثير المباشر في السياسة الإسرائيلية يستدعي أن يكون تدريجي وبحذر خاصة في ظل فقدان تغيير حقيقي جوهري في الجانب الإسرائيلي الذي ينبغي أن يرى بـ مشاركة العرب باللعبة السياسية وبالإئلاف الحاكم اعترافا ثمينا من أهل البلاد الأصليين به. كان بمقدور " الموحدة " تحقيق منجزات أكبر مما حققته وبمجرد فقط الامتناع عن التصويت لأنه بدونها لا توجد حكومة ولأن الانتخابات الخامسة تهديد كبير على " يمينا " وعلى " أمل جديد" وليس على " الموحدة " فحسب. بالمناسبة ومن أجل النزاهة لا يقل مضمون اتفاق الموحدة 2021 عن المطالب المدنية في اتفاق الكتلة المانعة بين الجبهة والديموقراطي العربي مع " العمل " عام 1992 بل إن مكاسب الموحدة أكبر خاصة ما يتعلق بـ الميزانيات والمشاريع التطويرية المقترحة. وتخطئ المشتركة والموحدة وكل الأحزاب العربية التي أشغل مندوبوها منصب نائب رئيس الكنيست كونه رسميا وسابق لـ إيوانه وممكن استغلاله لدعاية إسرائيلية دون جدوى حقيقية منه للمجتمع العربي. رغم محاولة تبريره بأنه جزء من التأثير على جدول أعمال الكنيست يبقى منبرا إعلاميا مهما للنائب نفسه بالأساس.

ميزان الذهب
كانت وما تزال المعادلة الأصح، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا ، هي معادلة تزان بـ ميزان الذهب، مقاربة دقيقة بـ جمع الروح والجسد، التمثيل السياسي بالتأثير، الوطن بالمواطنة والمشاركة في اللعبة السياسية الإسرائيلية بالتدريج وبحذر والعبرة في تجربة التوصية على غانتس وغيرها. يحظر التحلل من هذه المعادلة لأن ذلك ربما يدفع لـ مبادلة التاريخ والرواية والحلم والمستقبل بمنظوره التاريخي الواسع بـ احتياجات حياتية راهنة وإن كانت مهمة ولذا حيوية هذه المعادلة بـ دقتها وبالحفاظ على توازن مكوناتها وعلى التوازن السياسي لأن الذهاب لـ أي من الطرفين القومي واليومي ممكن جدا أن يؤدي للسقوط أرضا بكلا الحالتين.

وطالما إن العرب واليهود في إسرائيل عالقين ببعضهما البعض شاؤوا أم أبوا( دللت الهبة الأخيرة على كم هي عميقة الشوكة في حلوق الراغبين بتنظيف البلاد من أهلها العرب وعكست حسرة مبطنة لقطع الشجرة في 1948 والإبقاء على غصن صغير كبر لاحقا)) فإن من يستخف بـ التأثير ويراهن فقط على الاعتماد على مجتمع عصامي فعليه بالتوضيح كيف يمكن تسوية أزمة تفشي الجريمة بدون شرطة تقوم بواجبها وفقا لواجبها الدستوري؟ وكيف تحل أزمة البناء وتأمين الحق بالمأوى للجميع بدون التأثير على الحكومة وسياساتها ؟ صحيح؛ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ولكن كذلك ليس بالهوية والروح الوطنية وحدها تعيش المجتمعات بل هما ضرورتان مكملتان لبعضهما.. هما معا تكامل الروح والجسد ولذلك فالاهتمام بـ الجسد فقط ضياع والحرص على الروح فقط لا يدوم طويلا لأن الصيام أو الصبر لدى البشر له حدود.

البرلمان والميدان
لا تناقض بين السعي عبر البرلمان بالأساس للتأثير باللعبة السياسية ومحاولة حل مشاكل حارقة للمجتمع العربي وبين الاحتفاظ بالهوية الوطنية وثبيتها خاصة عبر الميدان واستعادة روح العمل الجماهيري والتثقيف والتوعية السياسية... لا سيما أن الأرض اليوم خصبة لمن يريد ومستعد للعمل بعد الهبة الشعبية العابرة للخط الخط الأخضر.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة