الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 14:02

أحلام رجب طيب أردوغان الرئيس التركي

بقلم: الشاعر الكاتب د. رافع حلبي

د. رافع حلبي
نُشر: 23/06/21 14:38,  حُتلن: 15:42

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

يحلم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أحلاماً واسعة النطاق على كل ربوع الشرق الأوسط والعالم، كما راود هذا الحلم آخر سنوات الثمانينات الرئيس التركي الأسبق، الراحل سليمان ديميريل، وتولى ديميريل رئاسة بلاده في الفترة ما بين عامي 1993 و2000 في فترة لتكون الأصعب في تركيا، فقد كانت فترة تحالفات غير مستقرة في تركيا التي هي العضو في حلف شمال الأطلسي، وجاء اعتلاء ديميريل الحكم في تركيا، تتويجاً لمسيرته السياسية التي امتدت لأربعة عقود من الزمن، شغل خلالها منصب رئيس الوزراء لخمس فترات، انتهت اثنتان منهما بانقلابين عسكريين أطاحا بحكومته، ولم يتمكن من تحقيق الحلم ذاته، وفارق ديميريل الحياة في العام 2015 تاركاً ورائه أحلاماً كبيرة تكاد لا تتسع لكل العالم. 

 حلم تركيا اليوم،

انتهت تلك الفترة عندما أسس الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي جاء إلى السلطة في عام 2002 الحلم العظيم الذي يراود زعماء تركيا، هو بسط سيادة تركيا على دول الشرق الأوسط، كما كانت السيادة في زمن الإمبراطورية العثمانية التركية، والرئيس أردوغان يحاول جاهداً بسط سلطانه على الدول المجاورة لتركيا، كالعراق وسوريا وأرمينيا، منتقلاً بقفزة نوعية إلى ليبيا، والشمال الأفريقي فأسس عن طريق محنة الربيع العربي مؤسسات لتركيا في تونس والجزائر والسودان أيضاً، وهذه القفزة تكلفه الكثير من المعاناة والتضحية وفقدان الكثيرين من جنده وصرف مبالغ طائلة، من خزينة دولته لفترة تواجد تركيا العسكري هناك، هذا ويدعي الرئيس التركي أن لتركيا مصالح كبيرة خاصة في ليبيا يتوجب عليه حمايتها، وهذا الوضع الطبيعي لتركيا لأنها دولة استعمارية تستفيد من الحروب وما بعدها وتستغل الظروف لنهب خيرات الأرض والشعوب التي تستعمرها.

في الآونة الأخيرة أردوغان يعلن شيء ويقوم بعمل شيء آخر، وما نسمعه منه من تصريحات بشتى الوسائل، لا يمت التنفيذ على أرض الواقع بشيء هذا يزيد في حدة التوتر في المجتمع التركي، والمجتمعات الأخرى التي يحاول الرئيس التركي ترويضها واحتلال أراضيها لتقف في صفه، يصرح أردوغان أن هنالك اتفاق شرعي مع الحكومة في ليبيا، ولكن في الحقيقة ليس هناك أي اتفاق مع أي جهة في ليبيا، وجنوده الذين يرسلون هم جنود مرتزقة تم تجديدهم من قبل الجيش التركي في سوريا، كمواطنين سوريين وعراقيين، كما فعل سابقاً الأتراك العثمانيين في البلاد التي احتلوها، حيث جندوا الشباب بقوة السلاح كي يخدموا في جيش السلطان العثماني، وفي هذه المرحلة الجيش التركي يدرب هؤلاء الشباب على القتال وحمل السلاح، لقاء معاش شهري يتقاضاه كلّ مُجند منهم، والرئيس أردوغان يرسلهم للقتال في ليبيا وسوريا والعراق وغيرها، والقتال في مفهوم الزمن المعاصر هي الحرب، وهؤلاء الجنود هم جند السلطان التركي، يحاربون بشتى السبل من أجله ومن أجل المعاش الشهري الذي يتقاضونه، حتى لو كلفهم ذلك الأمر الموت وخسارة حياتهم، لتحقيق المصالح التركية في الدول التي يحاربون فيها.

تركيا زادت من مساحات سيطرتها ودخلت الأراضي السورية، وهذا بالإضافة لسيطرتها على إقليم الإسكندرون العربي السوري، الذي ضُم لتركيا في قرار التقسيم كترضية لتركيا في العام 1939 وسميت تركيا في حينه بعد الحرب العالمية الأولى: "الرجل المريض"، وهذا "الرجل المريض" ينهض مجدداً وقبل أن يشفى من مرضه، تماماً يحاول بكل الطرق، أن يبسط سلطانه وهيمنته على دول مجاورة وبعيدة، كانت في ما مضى تحت الحكم العثماني.

ردود فعل أبناء الشعب الليبي،

أبناء الشعب الليبي والحكومة الليبية الشرعية، يطالبون تركيا بسحب جميع جنودها المرتزقة وغيرهم عن الأراضي الليبية، لتتمكن هذه الدولة من تجاوز محنة الربيع العربي، الذي ما زالت آثاره تدمر وتهدم كل أواصر المجتمع الليبي على كل الأصعدة، كما في باقي الدول العربية التي خاضت تجربة محنة الربيع العربي، وأبناء الشعب الليبي والحكومة الشرعية، يرفضون أي تدخل في الشئون الليبية الداخلية وخاصة في الجانب السياسي، فالشعب يريد تقرير مصيره بنفسه وله الحق بذلك، والشعب الليبي كباقي شعوب الشرق الأوسط يحلم بالحرية والديمقراطية والمساواة وبناء نفسه بنفسه، إلا أن كثرة التدخلات الخارجية من دول المنطقة، والدول العظمى كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ودولتي تركيا وإيطاليا، تخلق جو من الخراب والبلبلة عند المواطن الليبي، ناهيك عن تدخلات المنظمات الإرهابية بشكل موسع على الأراضي الليبية، كداعش والإخوان المسلمين والقاعدة وغيرهم.

الاتفاقيات الدولية بين دول العالم، وبموجب منظمة الأمم المتحدة، تنص على توقيع معاهدات أو اتفاقات حكومة شرعية قبالة حكومة شرعية، وفي هذه الحالة بين دولتي تركيا وليبيا، لم يوقع أي اتفاق ما بين الحكومات الشرعية، مما يزيد في القلاقل والجزع والخوف في صفوف أبناء الشعب الليبي، وهذا التدخل التركي ليس إلا تدخل لمحتل ومغتصب بقوة السلاح لمناطق واسعة في ليبيا، مثله مثل أي تدخل وسيطرة لتنظيم إرهابي عالمي على الأراضي الليبية، وليس لهذه التدخلات لفرض السيادة التركية على ليبيا أي معنى آخر حتى لو ضايق هذا الكلام تركيا، فنحن نحلل الأمور والشئون الداخلية والخارجية وعلاقة الشعوب والأمم ببعضها، ما بين دول العالم بمصداقية الشفافية والوضوح، والحرية والديمقراطية، بالاستناد على مشاعر الشعب الواعي العقلاني المفكر، والقياديين الاجتماعيين الحقيقيين الذين يسعوا جاهدين لتحسين أوضاع مجتمعاتهم، والنهوض بهم نحو مستقبل أفضل وأنجح على جميع الأصعدة التي تخدم المجتمع.

داعش فرضت سيطرتها على مساحات واسعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في ليبيا، من شرقي منطقة مدينة سرت وحتى مدينة مصراتة تقريباً.

المجتمع الليبي ومحنة الربيع العربي،

مر المجتمع الليبي وما زال تحت تأثير محنة الربيع العربي، ومثله كمثل جميع الدول العربية، وخاصة في دول الشمال الأفريقي، فمنذ العام 2011 بعد الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، بقي المسار الداخلي الليبي صاخباً، ينقصه الهدوء والاستقرار، بالمقارنة مع دول أخرى مرت بالمحنة ذاتها والصراع ذاته، وشهد المجتمع الليبي على طريق التقدم على الجبهات السياسية والاقتصاديـة والأمنيـة والاجتماعية، تراجعـاً كبيراً أدى للاستياء في صفوف الشعب الليبي، وهذا الوضع غير العادي للمجتمع هدد التطور والتقدم والانتعاش، وزادت هذه النكسة في نقمة المواطن الليبي وثار على الأوضاع المزرية، فتوجه إلى حالات غير سلمية، فتفاقمت الأمور مما أدى لاندلاع حرب أهلية في كثير من المناسبات والمناطق، وسبب هذه الحرب المجموعات الجهادية والتي أحرزت نجاحات كبيرة في صفوف الشعب الليبي والذي بات يحلم بالهدوء والاستقرار والأمن والأمان والسلام، وهذه الأوضاء أثرت في غياب الحكومة الليبية وتأثيراتها على الشارع لحالة جوع المواطن وحاجته لرغيف الخبز، هذه الأوضاء السيئة أضافت انعكاسات إرهابية واضحة، فأصبحت ليبيا ملاذاً مناسباً للمنظمات الإرهابية الإسلامية كتنظيم القاعدة وداعش والإخوان المسلمين وغيرهم، مما خلق العديد من المواجهات المسلحة بين أبناء المجتمع الواحد، ضاربين عرض الحائط الدستور الليبي والقوانين وقرارات البرلمان التي باتت حبر على ورق، ليس بمقدور أي جهة مهما عظم شأنها الأخذ على عاتقها أي مهمة وتنفيذها على أرض الواقع، إلا بقوة عسكرية مسلحة بأحدث الأسلحة والأجهزة القتالية، وفي هذه الظروف الصعبة، بات من السهل لدولة مثل تركيا تحلم بفرض سيادتها وسلطانها على دول مجاورة، التدخل في دولة ليبيا بقواتها المرتزقة وغيرها، وهذه الحالة التي هي ليست حالة حرب وليست حالة سلم، والهدوء النسبي مزاجي فيها، هي المناخ المناسب لدولة كمثل تركيا لتبادر في التدخل العسكري غير الرسمي، في دولة ليبيا لتنفذ مشروعها الاستعماري والذي طالما حلم به الزعماء الأتراك، وخَطَّه الأساسي فرض السيطرة والهيمنة على الدول المتخبطة داخلياً، من أجل إعادة مجد الإمبراطورية العثمانية التركية لسابق عهدها، والتأثير على مجريات الأمور في دول الشرق الأوسط، وهذا الحلم لن يتحقق في الأوضاع الراهنة لتركيا ولدول الشرق الأوسط، لكثرة الشقاق والنزاع ما بين أبناء المجتمع الواحد، وما بين الدول بشكل عام، لكن هذا الحلم في هذه الفترة يجول في مخيلة كل أبناء الشعب التركي، والحكومة في إسطنبول تغذيه ليل نهار.

الإمبراطورية العثمانية وحكمها بقوة السلاح والسيف،

حَكَمت الإمبراطورية العثمانية الإسلامية بقوة السلاح والسيف، الشرق الأوسط قرابة أربع مئة عام، تعهدت خلال هذه الفترة تقوية عملاء الحكام في كل المناطق، خاصة من الناحية المادية الاقتصادية، فدعمتهم في فتح المحلات التجارية ووظفتهم في أجهزة الدولة، شريطة أن يكونوا عملاء للسلطة ويخبرون الحكام ما يجول من الأمور بين الناس في المجتمع، وعملت السلطة التركية جاهدة على تعزيز مكانة هؤلاء الأشخاص الاجتماعية، ليدعموا السلطة الحاكمة بكل ما عندهم من قوة ومعلومات، وتعمدت السلطات العثمانية التركية تجهيل أبناء الشعب العربي على كل ربوع الشرق الأوسط، فلم تسمح ببناء غرفة تعليمية واحدة في كل القرى، وخاصة القرى النائية عن المدن، وأجبروا السكان العرب إرسال أولادهم للكتاب وابتكروا بمبادرتهم، نظام تعليم جديد خاص بهم، وهو نظام تعليم الكتاب، وقلبوا أماكن العبادة من كنائس ومساجد والخلوات، لمدارس يتعلم فيها الطلاب القراءة والكتابة في نمط تعليم بدائي على يد إمام المسجد أو الخوري أو الشيخ، حتى جامع الأزهر الشريف، والذي هو أهم المساجد في مصر على الإطلاق، وأحد المعاقل التاريخية لنشر وتعليم الإسلام، كذلك هو واحد من أشهر المساجد الأثرية في مصر والعالم الإسلامي، يعود تاريخ بنائه إلى بداية عهد الدولة الفاطمية في مصر، بعدما أتم جوهر الصقلي فتح مصر سنة 969م، وشرع في تأسيس القاهرة وقام بإنشاء القصر الكبير وأعده لنزول الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وفي أثناء ذلك بدأ في إنشاء الجامع الأزهر ليصلي فيه الخليفة، وليكون مسجداً جامعاً للمدينة، هذا الجامع ومؤسسات أخرى كثيرة لم تتلقى دعم الإمبراطورية العثمانية، وإنما حوربت المؤسسات ومنع الأهالي من بناء أي صح تعليمي جديد، كما وقام جيش السلطان العثماني بأخذ غلال المواطنين والمحاصيل الزراعية ومنتوجهم الصناعي الضئيل، والمباشرة لعملية تجويعهم جميعاً باستثناء من أرادوا منهم ليكون من أتباعهم ورجالهم، لقد نسي العرب المسلمون والمسيحيون وغيرهم، كلَ هذه القضايا، ناهيك عن أحكام الإعدام التي اتخذت ضد أبناء الشرق الأوسط، وكان العثمانيين الأتراك يعدمون قرابة الخمسة آلاف مواطن سنوياً، في المناطق التي حكموها ليثبتوا هيمنتهم ويفرضوا سلطانهم على المواطنين، كما وأعدموا المثقفين والمتعلمين والمفكرين، ومارسوا أبشع أنواع التعذيب ضدهم على كل ربوع مناطق نفوذهم وسيطرتهم، حيث يصعب على العقل البشري السليم فهم هذه الأعمال وكيفية تنفيذ هذه الأحكام والأوامر المجحفة التي لم تتمتع لا بالرحمة ولا بالعدالة بتاتاً، هذه الأحكام نفذت بأمر من السلطان العثماني وتحت رايته، لم يمر أمر أحكام الإعدام هذه من دون أن يعدموا العثمانيين الأتراك جدي المرحوم الشيخ أبي قاسم محمد علي محمد جواد عز الدين الحلبي، الذي كان يعتبر من الشخصيات الدينية الأهم في قرية دالية الكرمل والمنطقة كلها.

صورة لعملية شنق عدد من المثقفين العرب على يد الأتراك العثمانيين، في بيروت ودمشق في العام 1915 بأمر من جمال باشا الملقب بالجزار، والذي عين كحاكم على بلاد الشام، بصلاحيات مطلقة غير متناهية.

بالرغم من كل هذه الأعمال والسياسات التي مارسها العثمانيين الأتراك والتي تعتبر أخطر من أعمال التنظيمات الإرهابية، بحيث يصعب على العقل البشري فهمها واستيعابها، ما زالوا الأتراك يفكرون بتحقيق حلم السيطرة على الشرق الأوسط، وإعادة مجد الإمبراطورية العثمانية لسابق عهدها والدول العربية بشعوبها، تتعامل مع تركيا كأن شيئاً لم يكن، ويؤمنون أن المستقبل يبشر لهم بالازدهار والتطور والتقدم، عن طريق من ضربهم ضربات موجعة مؤلمة جداً في يوم الأمس، ومارسوا أبشع أنواع التعذيب ضدهم، من تجويع وأحكام إعدام غريبة غير عادلة (الإعدام باستعمال الخازوق والشنق، وبتر أعضاء جسد الإنسان وتركه حتى يفارق الحياة)، وتعذيبهم في السجون بقسوة بالغة، وتجهيل من هو مفكر فيهم وربما إعدامه، المشهد متكرر في معظم المدن المركزية في مناطق سيطرتهم في آسيا وأروبا وأفريقيا، وما زالت آثار وتأثير ضربات الأتراك العثمانيين المؤلمة مؤثرة وظاهرة في مخيلة كلّ من حكموهم حتى أيامنا هذه، فقصص الظلم ونيران الحكم العثماني مررها الأجداد إلى الأبناء ومنهم إلى الأحفاد، بحيث يشغل هذا الموضوع حيزاً كبيراً في نفس وفكر الذين ذاق أهلهم وأجدادهم الأمرين من الحكام في فترة العثمانيين الأتراك، ويرفض كل مفكر وعقلاني، أن يعيش في ظل إمبراطورية ظالمة فاسدة لا سبيل له فيها للحرية والمساواة والتطور والتقدم، حتى دولة تركيا المعاصرة لم تتخلص من عقدة الظلم والاستبداد، ففي الأعوام الأخيرة زج النظام التركي عشرات ومئات الصحفيين والمفكرين في السجون، ويلاحقونهم على خلفيات فكرية وآراء سياسية، ربما لتكون مناهضة للحكومة والنظام الحالي.

حالة ذعر وحرب استنزاف،

الشعب الليبي ما زال يعيش حالة ذعر وحرب استنزاف قوية وصعبة، منذ العام 2011 بعد الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، بين القوى المتنافسة على السلطة والسيطرة على المراكز الاستراتيجية، خاصة في العاصمة طرابلس وساحل البحر الأبيض المتوسط، ومنطقة الجنوب الليبي والتي فيها آبار النفط ومنشآت الغاز الطبيعي، ففي كل مكان هناك قتال مميت، تسبب في موت مئات وآلاف الأبرياء ونزوح الآلاف وعشرات الآلاف من بيوتهم ومناطق سكناهم، مما أدى إلى حالة التراجع الاقتصادي، فتوقف إنتاج النفط والغاز الطبيعي، ودُمِّرت البنيات والمؤسسات، وكذلك دمرت البنية التحتية وشبكة الطرقات، وبات المواطن الليبي بحاجة للماء والكهرباء ويحن لرغد العيش، وفي ظل كل هذه الأوضاع أضيفت لكل مجتمعات أهل الأرض ولأبناء الشعب الليبي، جائحة «كوفيد- 19» الكورونا، مما يجعل معاناة الليبيين في تزايد مستمر مضاعفة بعشرات الأضعاف، وليس من المهم إضافة التحليلات أو الكتابات في أمر معاناة الشعوب والأمم، وإنما ليبيا تحتاج لتدخل خارجي رسمي وشرعي معلن، لدول الغرب والعالم المتحضر والأمم المتحدة، من أجل حل المشكلات الشائكة، رأفة ورحمة بهذا الشعب الذي يبحث عن عيشة كريمة لا غير، وفي هذه الحالة تستغل تركيا ورئيسها أوردوغان، الظروف وبشكل غير رسمي، لإدخال جنوده للسيطرة على الأوضاع في الداخل الليبي، وهذا الأمر سيوتر الأوضاع أكثر فأكثر، لأن أهداف تركيا وتدخلها لا يخدم المصالح الليبية وإنما هي من أجل أن تحمي مصالح تركيا فقط، وإذا بقي الحال على ما هو عليه الآن، سَتُقسَّم دولة ليبيا لثلاث دويلات، يحكمها الأقوى في كل دويلة، والذي لديه العدد الأكبر من الجنود والكمية الأكبر من العدة والعتاد، والذي جيشه مجهز بأجهزة وأسلحة عصرية حديثة، ذات تقنية عالية.

الشعب الليبي الذي ذاق الأمرين من النظام السابق، يريد العودة لحياته العادية، ويبحث عن حياة كريمة حقيقة، في ظل حكم ديمقراطي وحر لكل أبناء المجتمع، إلا أنه في كل خطوة من مسيرته نحو الحرية، يلقى الصعوبات والأثر السيء والحرب المميتة في كل جوانب وطنه، فاختلطت الأمور على هذا المواطن، ولم يعد بمقدوره التفرقة بين الخير والشر، أو الطريق الصحيح الصواب من الطريق المسدود الخطأ، وهذه الحالة العامة الاستثنائية للمواطن لا تمنحه أي مجال للتفكير إلا بلقمة العيش، فالجوع هنا أقسى الأعداء وأصعبهم مواجهة لكل المواطنين وكل أهل الأرض.

استسلام المسلمين والدول العربية،

الثغرات الكبيرة في المجتمع الإسلامي في الدول الإسلامية، عربية كانت أم لا، يتقبل ومن باب الجهل وعدم المعرفة، أي تصرف لتركيا ولا يقاومه أو على الأصح لا يغضب منه ولا يهاجمه بحجة الإسلام، لأن تركيا دولة مسلمة سنية، فيتساهلوا معها في الرأي وقبوله، حتى لو كانت تصرفاتها تضر بالدول الإسلامية والعربية، على سبيل المثال منذ العام 1939 لم نسمع كلمة واحدة من أي دولة إسلامية أو عربية لإرجاع إقليم الإسكندرون لدولة سوريا (والذي تم ذكره هنا سابقاً)، وعلى سبيل المثال أيضاً ومن ناحية دينية محض لم نسمع كلمة واحدة لقلب كنيسة أيا صوفيا المسيحية في إسطنبول لتصبح جامعاً للمسلمين، ولو كان الأمر على العكس لما هدئ المسلمين حتى استرجاع الجامع وإعادته للوقف الإسلامي كما كان عليه.


كاتدرائية آيا صوفيا والتي تعني " الحكمة الإلهية " باللغة اليونانية.
بنيت كنيسة أيا صوفيا المسيحية في العام 532 م قبل مجيء الإسلام ب 78 سنة حيث أمر الإمبراطور البيزنطي، جستنيان الأول، ببناء الكنيسة في القسطنطينية (إسطنبول حالياً) على أنقاض أخرى تعرضت للبناء والهدم أكثر من مرة، واستغرق بناء كاتدرائية آيا صوفيا والتي تعني "الحكمة الإلهية" باللغة اليونانية خمس سنوات، أراد الإمبراطور جستنيان الأول من خلالها أن يُثبت تفوقه على أسلافه الرومان بتشييد صرح معماري غير مسبوق، من جمال الفن المعماري في تلك الفترة.

مرة أخرى هنا لم نسمع أي كلمة، بشأن الكنيسة، بل على العكس تماماً، سمعنا تسهيلات جمة وتشجيع كبير جداً لما قام به الرئيس التركي أردوغان والقضاة الأتراك في المحاكم التركية لقلب الكنسة لجامع، وعلى العكس تماماً من الذي يحصل في دولة إسرائيل، حيث حافظت الدولة على جميع المساجد والكنائس، والأماكن المقدسة لجميع الطوائف، ولم تهدم لا جامعاً ولا كنيسة منذ العام 1948 بل حافظت عليها كما هي، ووزارة الأديان ودائرة الآثار الإسرائيليتين وضعتا يديها على جميع الأماكن المقدسة للمحافظة عليها وحراستها، أما الوضع في تركيا فالحلم الذي يراود الزعماء الأتراك، يبدأ في الداخل لقلب كل ما هو حولهم وفي مرآ الناظر لملك للإسلام والمسلمين، ومن ثم يخرجون للدول المجاورة ويفرضون سلطانهم على مساحات شاسعة منها، في سوريا مثلاً توغل الجيش التركي لمسافة 14 كيلو متراً تقريباً في الأراضي السورية من الحدود الدولية بين الدولتين، ولم نسمع كلمة واحدة أو تعليق من أي جهة في جميع الدول العربية والإسلامية على هذا الموضوع، في خلال فترة حكم أوردوغان زُجّ في السجون التركية مئات وآلاف المثقفين والصحفيين ويعانون من أشد وأقسى طرق التعذيب، ولم نسمع أي كلمة ضد هذه الأحكام والأعمال من أي دولة عربية أو إسلامية، ربما لكون تركيا دولة مسلمة، وبالرغم من أن تركيا ليست دولة عربية ولكنها مسلمة سنية بالمجمل العام، تسمح لها الدول المسلمة، عربية كانت أم لا بالقيام بأي أمر يحلو لها، وهذا التستر على تركيا والتواطؤ معها على ما تقوم به في الشرق الأوسط، لن يحمي الدول العربية وأنظمتها، من حلم الأتراك العثمانيين بإعادة مجد أجدادهم في الإمبراطورية العثمانية.

الشعب يريد تغيير النظام - الحرية والمساواة ورفاهية العيش،

الليبيون يريدون الحرية والمساواة وبناء أنفسهم، وإعادة بناء مجتمعهم نحو مستقبل أفضل، بعيدين كل البعد عن الحرب وخاصة الحرب الأهلية، الليبيون وضعوا نصب أعينهم مثلهم الأعلى ألا وهو مجتمعات الغرب وإدارة الدول في الغرب، بجميع مؤسساتها وأجهزتها، والحياة الهادئة الجميلة في رغد العيش، مطالبين الحكومة الليبية الشرعية، بتنفيذ مطالبهم وتنفيذ المشاريع لتلبية الأمور الأساسية الأولية لتلك الحياة التي يحلمون بها، وللأسف مطالب الشعب لم تنفذ لذلك خرج المواطن الليبي للشوارع لتظاهرات شعبية بأعداد كبيرة نسبياً، للتعبير عن رأيه وأحياناً كثيرة قوبلت هذه التظاهرات بالعنف من الحكومة الليبية الشرعية، وتم تفريق المتظاهرين بالقوة دون جدوى ودون الاستماع لمطالبهم.

 دور الدول العظمى في المنطقة،

إن من أسوأ الأوضاع التي تمر فيها ليبيا، هذه الأيام هي تقاعس الدولتين العظميين في ردود فعلهما اتجاه التحركات التركية في ليبيا، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية (روسيا)، فكلتا الدولتين تغطيان على كل التحركات التركية في ليبيا، وكأن الأمر عادي وهاتين الدولتين لا تكترثان لما تسببه تركيا من أضرار جسيمة في المجتمع الليبي، كما أن إيطاليا وتدخلاتها لحل الأزمة بين الجهات المتنازعة على السلطة، والسيطرة على مناطق واسعة من الأراضي الليبية، جميعها باءت بالفشل ولم تستطع إيطاليا من تحقيق أي تقدم في المحادثات، ويعود سبب الفشل لإيجاد الحلول، وستفشل أي دولة في حل هذه الأزمة مستقبلاً، لتركيبة المجتمع الليبي الخاصة، فنحن نتحدث عن مجتمع عشائري في تصرفاته ونمط حياته، والأمر الأصعب أنه مكون من عدة عشائر، منها من سيطر على الأمور في فترة نظام العقيد معمر القذافي، ومنها من كان مقرب لسلطته وآخرون لم ينتفعوا من نظامه بأي شيء، وهنا تكمن العقدة المركزية الأصعب للحل بين كل هذه العشائر، التي يعيش قسم منها في المدن المختلفة منذ زمن تاركاً وراءه الصحراء وحرها وقساوة المعيشة فيها، ونرى الانتقامات واضحة بين أبناء القبائل المختلفة، على جميع الأصعدة.

الجمهورية الفرنسية والجمهورية المصرية العربية أيضا، تدخلتا وحاولتا تغيير الأوضاع للأفضل إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل أيضاً، هذا والتغيير في أواصر المجتمع الليبي من مجتمع يضم العديد من القبائل، لمجتمع دخلته الحضارة من دول الغرب بكل ما فيها، زاد من حدة التوتر بين جميع شرائح المجتمع، هذا لأن ما يقبل في جانب معين من المجموعات الإنسانية الاجتماعية، يرفض في الجهات الأخرى، لذلك الأوضاع آخذة بالاستياء وحالات التوتر الاجتماعي مستمرة دون توقف، بالرغم من أن مصر تدعم الحكومة الشرعية، تستغل تركيا هذه الحالة غير العادية في دولة ليبيا، لتقوية نفوذها مستغلة فشل تدخل بعض الدول في إيجاد الحلول المُرْضية لجميع الجهات، ومستغلة إعراض الدول العظمى والتستر عليها بما تقوم به هناك، هذه الأوضاع مناسبة جداً لتركيا لتقوم بتنفيذ مشروعها وحلمها الكبير، بإعادة بناء الإمبراطورية العثمانية التركية من جديد.

من جهة يقوم السلطان العثماني رجل طيب أردوغان الرئيس التركي، بمخاطبة العرب في الشرق الأوسط وغيره، كمنقذ لهم ولمصالحهم في دولهم وفي كل مكان، وهو على استعداد ليحارب من أجل مصالحهم كما لو كان المسئول عنهم، ويرفع من الجهة الأخرى راية الإخوان المسلمين كإخواني حقيقي، ويخاطبهم بلغة الإخوان المسلمين، في السيطرة وبسط الإسلام على كل إنسان، وقتل كل المثقفين والمفكرين بتهم مختلفة، والمقصود المستتر هي عملية تجهيل العرب في بلادهم من أجل السيطرة عليهم كما كان في فترة حكم العثمانيين على الشرق الأوسط، وأردوغان دعم فكرة إقامة الإمارات وولى أناس من قبله في الموصل والبصرة في العراق، وما زال يفكر بأن كركور وآبار النفط فيها منطقة تركية ويجب أن تكون تابعة لسيطرته، وفشل هذا الربيع العربي – الربيع الإخواني هناك أيضاً، وكذلك ولى أناس كثيرين في تونس والجزائر على أقاليم وإمارات وفشل أيضاً في تونس والجزائر، ويقوم بمحاولة السيطرة على الشعب الليبي وتقسيمه وتجزئة ليبيا، وهذا المشروع سيفشل أيضاً بالرغم من سيطرة أردوغان على الاقتصاد الليبي، وهذه هي المصالح التركية في ليبيا، والمشهد ذاته يتكرر المرة تلو الأخرى وتمر دول الشرق الأوسط بمحنة الربيع الإخواني العربي، دون أي نجاح والدولة التي تسيطر على أمورها ويلتزم شعبها تخرج من هذه المحنة مرفوعة الرأس، حيث يبدأ الانتعاش فيها على جميع الأصعدة، أردوغان يقوم بالمجازر وذبح الأرمنيين والأكراد في ديارهم، والضمير الإنساني العالمي لم يتحرك أبداً في هاتين القضيتين، ولم نسمع الأصوات في حق هذين الشعبين لأي كان حول العالم إلا من أصحاب هاتين القضيتين القاسيتين الشائكتين والمعقدتين جداً، (تنفيذ مجازر ضد أبناء الشعب الأرمني وتنفيذ مجازر ضد أبناء الشعب الكردي)، هاتين القضيتين تضايقان أردوغان شخصياً، وتدفعه للتنكر لكل من يطرح هاتين القضيتين في أي مكان، ولا يرحم من يقف في صف أحد المتضررين من أبناء الشعبين، وعلى ما يبد أن أردوغان بات الولد المدلل للولايات المتحدة الأمريكية ولروسيا، فهم يغمضون عيونهم عن جميع تصرفاته على ربوع الشرق الأوسط، ربما هذا بموجب اتفاق سري بينهم، وربما عن طريق الصدفة ولكن العقل يرجح حالة الاتفاق السري المبرم بين أمريكا وروسيا العظمتين وتركيا.

نتمنى لأبناء الشعب الليبي الحر الشهم الأبي، ولجميع شعوب المنطقة، كل تمنياتنا الطيبة بالخير والحياة السلمية الآمنة الهادئة، والتقدم والتطور والازدهار، في ظل تعايش سلمي مشترك بين العشائر، وجميع أفراد المجتمع الليبي على الصعيد الداخلي، وبناء السلام مع باقي الشعوب والأمم حول العالم، وما هذه التمنيات إلا ضمن تمنياتنا لكل أهل الأرض الطيبين في كل مكان، بأن يعيشوا بسلام وأمان بعيدين كل البعد عن الحروب الأهلية وأضرارها على المجتمع، والحروب بين الدول وأثرها على الإنسان والإنسانية، لقد مررنا بتجربة الحرب ونحن نريد السلام والسلم.

مقالات متعلقة