الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 18:02

خلفية تصفية نزار بنات...رسالة تحذير من سلطة لمعارضيها

أحمد حازم

أحمد حازم
نُشر: 27/06/21 13:20,  حُتلن: 16:24

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency


من الطبيعي في الدول التي تحترم نفسها وشعبها وجود معارضة للنظام، لأن التنوع السياسي في المجتمعات ظاهرة ديمقراطية صحية، يمارس فيها المواطن حقه في الرأي والقول والفعل في الإطار القانوني. وكافة القوانين الدولية تكفل للإنسان الحق في التعبير عن الرأي، وإذا كان هذا الرأي لا يحبذه أهل النظام على اعتبار انه تجاوزاً للخطوط الحمر فهناك عدة طرق للمعالجة بعيداً عن استخدام القتل.
ما جرى لشهيد الكلمة والرأي نزار بنات، ليس حالة دخيلة على أنظمتنا العربية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص بل العكس من ذلك فهي من الحالات التي تتميز بها أنظمة "بلاد العرب أوطاني " التي تتلذذ الأجهزة الأمنية فيها باستخدام أبشع الأساليب ضد مواطنيها. وعملية اغتيال الراحل نزار بنات تعتبر رسالة تحذيرية من السلطة للمعارضين لها.
أنا أستغرب كيف أن السلطة الفلسطينية حديثة التأسيس نسبياً، كانت قبل تأسيسها حركة ثورية تحررية في الخارج (على الأقل بالإسم) دعمها شعبها بكل ما يملك وقدم لها التضحيات، تقوم مباشرة بعد عودتها للوطن، ببناء سجون وتأسيس أجهزة أمنية لملاحقة المعارضة؟ أنا وغيري لا نفهم كيف أن الفلسطيني يسمح له ضميره بتعذيب الفلسطيني لأنه يعارض رأي الحاكم بأمره.
أذكر جملة قالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس عند انتخابه رئيساً للسلطة الفلسطينية بعد وفاة أو بالأحرى بعد(تصفية) الراحل ياسرعرفات، قال بالحرف الواحد:" سأبقى رئيساً حتى تنتهي فترة ولاية الرئاسة". ولكنه لا يزال رئيساً حتى اليوم رغم أن ولايته قد انتهت قانونياً. ويبدو أن عباس المحمود يطبق نظام الاتحاد السوفييتي السابق والنظام الروسي الحالي في التعامل مع المعارضة السياسية والشعبية، خصوصاً أن سيادة الرئيس الفلسطيني حصل على "الدكتوراه" من الاتحاد السوفييتي ومتشبع من أفكارهم الحمراء والسوداء.
في موضوع مقتل نزار بنات، فإن القضية أكبر وأشمل من تفوهات ضد السلطة. المعلومات المتوفرة تقول ان عملية تصفية نزار كان وراءها السعودية، الإمارات وبدعم معنوي (وغيره) من إسرائيل. هكذا يقول المحلل الفلسطيني أسعد العزوني أحد كبار المعلقين السباسيين في الوطن العربي في فيديو له. وأنا شخصياً مقتنع بذلك لأن الأنظمة الأمنية في السعودية والإمارات لها مصلحة في إسكات كل صوت معارض لها.
الإعلامي السعودي جمال خاشقجي عارض النظام السعودي وجاهر بالمعارضة على الصعيد العالمي فكان مصيره الموت بطريقة همجية بشعة. (تعذيب ،قتل ثم تقطيع جثة) في السفارة السعودية في تركيا. الأجهزة الأمنية لنظام العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين وخائن أولى القبلتين كما وصفه فضيلة الشيخ كمال خطيب في خطبة له يوم الجمعة في السابع عشر من شهر مايو/أيار عام 2019... هذه الأجهزة لم يرف لها جفن أو تأنيب ضمير عندما كانت تعذب خاشقجي، تماما كما فعل عناصر الأمن الوقائي الفلسطيني في تعذيبهم للراحل نزار بنات.السعودية ليست المرة الأولى التي تقوم مخابراتها بعملية بشعة من هذا النوع. فتاريخها يقول أن أجهزتها الأمنية القمعية ضد معارضي النظام، فامت في السابق باختطاف المعارض السعودي ناصر السعيد خلال وجوده في بيروت بالتعاون مع أجهزة أمنية أخرى، ثم وضعوه في صندوق خشبي بعد أن قاموا بتخديره، ونقلوه إلى السعودية وهناك رموه من الطائرة في صحراء الربع الخالي.
أما الإمارات فكل صوت معارض للنظام فيها مصيره السجن، وإذا تطلب الأمر القتل بدون وازع ضمير. الإماراتية المعارضة المقيمة في لندن ألاء الصديق مديرة "مؤسسة القسط الحقوقية" توفيت قبل أيام بعد صدمها بسيارة في بريطانيا.وقد اعتبرت مؤسسات حقوق الانسان حادثة الدهس عملاً مدبراً. وكانت ألاء قد قضت العقد الأخير من عمرها مدافعة عن تحرير والدها السجين في أبو ظبي وعن سجناء رأي آخرين.
الراحل الشهيد نزار بنات لم يكن مصدر إزعاج قوي للسلطة الفلسطينية فحسب، بل للسعودية والإمارات وإسرائيل أيضا. فهو تطرق في انتقاداته اللاذعة إلى نظام الإمارات منتقداً قمع الحريات وكم الأفواه فيها. وهو الذي ذكّر السعودية بمقتل ناصر السعيد وجمال خاشقجي، وهو الذي تحدث دائماً عن وجوب مواجهة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. إذاً المعادلة اكتملت وكان لا بد من تصفية نزار خدمة للغير أيضاً.
في العام 1980 قتل الأمن المصري لنظام السادات معارضاَ لسياسته وللتطبيع اسمه سعد إدريس حلاوة. الذي رفع صوته عالياً وطالب بترحيل السفير الإسرائيلي. إلا أن قناصاً من الأمن المصري أسكته برصاصة نهائياً. وقتها رثاه الشاعر نزار قباني، بالقول: "مجنون واحد فقط خرج من هذه الأمة العربية الكبيرة العقل المتنحسة الجلد الباردة الدم، فاستحق العلامة الكاملة، في حين أخذنا كلنا صفراً كبيراً، مجنون واحد تفوق علينا جميعاً، واستحق مرتبة الشرف في ممارسة الثورة التطبيقية"
فإذا كان الرجال الحقيقيين المخلصين متهمين بالجنون نظراً لمواقفهم، فما أحلى جنون المقاومة من أجل كرامة الشعب والوطن.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة