الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 01:01

رائد السينما الفلسطينية الأول.. من يافا إلى مخيم شاتيلا/ بقلم: مهند إبراهيم أبو لطيفة

مهند إبراهيم أبو
نُشر: 16/06/19 16:42,  حُتلن: 14:34

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

تركت تداعيات الصراع الدولي المحموم على النفوذ، بين الدول الكبرى، في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتحديدا ما عُرف ب " المسألة الشرقية "، آثارها السلبية المعوقة لتطور الأوضاع السياسية والثقافية للمجتمع الفلسطيني قبل النكبة.

إتخذت السلطات العثمانية سلسلة من الإجراءاتـ ، واصدرت عددا من القوانين، تسببت في فرض قيود على حرية ممارسة النشاطات السياسية والثقافية، ومع إنتهاء الحرب العالمية الأولى ودخول القوات البريطانية للأراضي الفلسطينة (9 ديسمبر 1917)، وما إرتبط بها من تسهيل لنشاط الحركة الصهيونية، وممارسة السلطات البريطانية لسياسات إستعمارية ضد الشعب الفلسطيني، برزت أمام الحركة السياسية والثقافية الفلسطينية، تحديات جديدة، ولم تكن الظروف السائدة توفر مناخا ملائما لتحقق هذه الحركة نموا يواكب مثيلاتها في الدول العربية، وكانت النكبة عام 1948، وتشريد الشعب الفلسطيني إلى المنافي، باكورة هذه التحديات.

ففي حين نشأ الإعلام في مصر عام 1798م ، وفي لبنان عام 1858م ، وفي سوريا عام 1865م ، والعراق عام 1869م. كانت الإنطلاقة الحقيقية للصحافة الفلسطينية عام 1908م، مع سياسات الإصلاح في تركيا، حين أصدر ( جورجي حبيب حنانيا) جريدة " القدس". حالت القوانين التي أصدرها السلطان عبد الحميد الثاني في 6 كانون الثاني 1857م ، من ظهور الصحافة الحرة قبل هذا التاريخ.

ومع أن فلسطين عرفت الطباعة منذ عام 1830م ، خصوصا مطبعة الآباء الفرنسيسكان في القدس ( عام 1846م )، ومطبعة الرهبان الإنجيلية، ومطبعة دير الأرمن عام (1848م) ، ومطبعة الأرثوذكس في جمعية القبر المقدس (عام1849م)، إلا أن القوانين العثمانية لم تسمح بحرية إصدار الصحف والمطبوعات.

لعبت القوانين الإستثنائية، وقوانين الطواريء، وملاحقة النشطاء السياسيين والصحفيين والمثقفين، دورا كبيرا في عدم نُضج تجارب مؤسساتية ثقافية كبيرة ، فكانت المبادرات الفردية.

من أوائل هذه المبادرات، كانت مساهمة إبراهيم حسن سرحان ( مواليد 1916)، أول فلسطيني دخل عالم السينما من باب الهواية عام 1935.

بسبب المنافي ، ضاعت آثار السينما الفلسطينية، ولم يتبقى سوى شهادات قليلة، تؤرخ لنشأة السينما في فلسطين والبدايات الأولى. وما وصلنا، أن الأخوين إبراهيم وبدر لاما، ذوي الأصول الفلسطينية، هاجرا من بيت لحم إلى " تشيلي" في مطلع القرن العشرين، وعندما قررا العودة إلى فلسطين، لإقامة مشروع لصناعة السينما في البلاد، إضطرا للنزول من الباخرة التي كانت تقلهم ، في ميناء الإسكندرية، وبسبب الأوضاع السياسية السائدة، بدأ الأخوان لاما بتنفيذ هذا المشروع في الإسكندرية.

أسسا " نادي مينا فيلم" السينمائي، وبعد ذلك شركة " كوندو فيلم "والتي أنتجت أول فيلم عربي: " قبلة في الصحراء "، الذي عُرض في مايو 1927، في سينما " كوزموغراف"، وأنتجت الشركة هذه 62 فيلما طويلا حتى عام 1951.

أما في فلسطين ، فكانت الريادة - حسب أغلب الآراء- للسينمائي الفلسطيني الأول (إبراهيم سرحان)، عندما صور فيلما تسجيليا مدته 20 دقيقة ، عن زيارة الملك سعود بن عبد العزيز إلى فلسطين عام 1935 ، مع وفد كان يضم فؤاد حمزة، ومدحت شيخ الأرض، ووثق الفلم لتنقل الملك، برفقة الحاج أمين الحسيني بين عدة مدن منها القدس واللد ويافا.

تذكر المراجع، أن المخرج العراقي قاسم حَول، والذي كان يعمل في بداية السبعينيات، ضمن الثورة الفلسطينية، وبينما كان يعرض بعض الأفلام السينمائية، تعرف " بالصدفة "، على إبراهيم سرحان في مخيم شاتيلا (تأسس المخيم عام 1949 ) في لبنان وأجرى المخرج حوارا صحفيا مع سرحان حول تجربته، وسعى لاحقا لتكريمه عبر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وأخيرا تم العثور على أول سينمائي فلسطيني، وبفعل النكبة، يعيش حياة متواضعة في أحد البيوت، التي يعمل منها كسمكري. شردته النكبة هو وعائلته عام 1948 إلى الأردن ، وساهم هناك في إنتاج أول فيلم سينمائي أردني، في نهاية الخمسينات، ثم هاجر بعدها إلى لبنان حيث غابة البنادق،التي لم يجد فيها من يدعمه أو يتبناه لُيكمل مشروعه.

من التفاصيل التي وصلتنا، أن إبراهيم سرحان، قام بتصنيع أجهزته السينمائية بنفسه، كآلة المونتاج السينمائي ( الموفيولا) ، وأنه إفتتح أستوديو للإنتاج السينمائي في عام 1936 في يافا وأسماه " استوديو فلسطين "، أنتج الأستوديو فيلما قصيرا ، تظهر فيه الراقصتان "شمس" و" قمر " والمطرب الفلسطيني " سيد هارون " عند إفتتاح الأستوديو.

إشترى سرحان كاميرا تدار باليد، وقرأ كتبا عن فن التصوير والعدسات والطبع والتحميض، وكان يعمل في البداية لوحده ، ويصنع الأجهزة التي يحتاجها بنفسه، منها طاولة المونتاج ، ثم تعاون لاحقا مع جمال الأصفر.

حسب شهادة الروائي الفلسطيني ، تيسير خلف في روايته " موفيولا " التوثيقية الطابع، أنتج إبراهيم سرحان فيلم " أحلام تحققت" وهو فلم وثائقي قصير، عن ملجأ الأيتام في حرم المسجد الاقصى. بينما ورد في كتاب ( فلسطين والعين السينمائية) للكاتب الأردني حسان أبو غنيمة ، أن سرحان كان يعمل مع المخرج جمال الأصفر ، وأن فلم " أحلام تحققت " ، من إخراج خميس شبلاق ، وليس سرحان، كذلك فيلم " في ليلة العيد " الذي أخرجه جمال الأصفر.

قام سرحان بإنتاج فيلم وثائقي ، عن عضو الهيئة العربية العليا ( أحمد حلمي عبد الباقي)، وأنتج فيلما روائيا بعنون " عاصفة في بيت"، وبعض الأفلام الإعلامية ، وعمل مقدمة سينمائية قصيرة ، كان يظهر فيها الحاج أمين الحسيني مع العلم الفلسطيني، وكانت المقدمة تُعرض قبل عرض الأفلام في الصالات السينمائية الفلسطينية. وقام سرحان بتأسيس شركة إعلانات مع الصحفي ( زهير السقا) في مدينة يافا.

وجد في فلسطين ، قبل النكبة عددا من دور السينما ، منها على سبيل المثال :

" سيبنما ركس " في القدس ، " سينما عين دورا" في حيفا، والتي يُعتقد أنها أول سينما فلسطينية، وكان يملكها يهود ألمان ، و" سينما أوديون" أي عدن في القدس وامتلكها يهودي مصري ، وسينما الحمراء في يافا. إضافة إلى " سينما الرشيد" ، " سينما نبيل" ، " سينما الفاروق" ، " سينما الشرق "، " سينما أبولو " وبعض هذه الأسماء للسينمات إنتقلت إلى الأردن لاحقا، مثل ريكس والحمراء وغيرها.

من الرواد الأوائل لصناعة السينما في فلسطين ، كان أحمد الكيلاني ، الذي درس فن الإخراج السينمائي في القاهرة عام 1945، وأسس في فلسطين مع جمال الأصفر وعبد اللطيف هاشم " الشركة العربية لإنتاج الأفلام السينمائية " ، ثم لجأ إلى الأردن، بينما إستقر جمال الأصفر في الكويت.

توفي إبراهيم سرحان في مخيم شاتيلا عام 1987 بعيدا عن وطنه يافا ، بعد أن عاش بؤس الحياة في المنفى . هذا ما فعلته الحركة الصهيونية ومن تهاون وتأمر معها بشعبنا الفلسطيني! .

في قصيدته " المهاجرون" كتب شاعرنا معين بسيسو(1928- 1984):

أخي في الكفاح أخي في العذاب

أتسمع مثلي عواء االذئاب

تُفزع أطفالنا النائمين

وتُنذر أحلامهم بالخراب

ويفتح أعينهم في الظلام

دوي الرصاص ولمع الحراب

ولكنه سوف يأتي الصباح

ويكسر أبواب هذا الضباب

يضيء لنا أرض أبائنا

وأرض طفولتنا والشباب

فتورق أمالنا كالغصون

وكانت جذورا ببطن التراب

فقم وادع مثلي ليوم الخلاص

وميلاد تلك الأماني العذاب

وإن قيدوك وإن عذبوك

وإن هددوك بشر العقاب

فلا تسكن يا ابن هذا التراب

أمام وحوش الحياة الغضاب

بل إغرس قيودك في صدرها

كما غرست فيك ظفرا وناب

* مراجع:

- مجلة زمان الإلكترونية ، مهند صلاحات، إرشيف رقم 4002، بتاريخ 2017.05.27.

- الموسوعة االفلسطينية.

- محمود درقة: بدايات السينما الفلسطينية، مجلة الطريق، العدد الثامن والعشرون، أوائل أيلول / سبتمبر 2005.

- وكالة وفا ، إرشيف رقم 9492.

  موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة