دبي: صحراء مزهرة أم خدعة خضراء؟

أمنون ديركتور، زاڤيت
نُشر: 07/10/25 10:59,  حُتلن: 11:05

بقلم: أمنون ديركتور، زاڤيت

دبي: صحراء مزهرة أم خدعة خضراء؟

ضمن مشروع طموح للتشجير، زُرعت في دبي مئاتُ آلاف الأشجار، لكن ليس كلّ ما يَبدو أخضرَ هو صديقٌ للبيئة فعلًا. فهل نحن أمام خطوةٍ بيئية رائدة، أم محاولةٍ باهظة الثمن لإخفاء الصحراء؟

في مدينةٍ تُعرَف بصحاريها وناطحات السحاب فيها، نُفِّذت واحدةٌ من أكبر حملات التشجير الحضري في العالم حيث زُرع في دبي أكثرُ من 300 ألف شجرة ونبتة خلال نصف عام فقط. ومع تحطيم حرّ الصيف في المدينة أرقامًا قياسية كلّ سنة، وضمن رؤية استراتيجية بعيدة المدى باسم "دبي 2040"، حدّدت البلدية هدفًا لا يقل طموحًا هو تحويل دبي من فضاءٍ حضريّ قاحل إلى مشهدٍ أخضر مستدام فائق الجمال. والكلفة؟ أكثر من 50 مليون دولار. يشمل المشروع أنظمة ريٍّ ذكية وتخطيطًا للمظهر يطمح إلى تغيير وجه المدينة وطريقتنا في التفكير بالتمدّن في الصحراء. لكن هل تُعدّ زراعةٌ كثيفةٌ للأشجار في مدينةٍ صحراوية خطوةً صحيحة بيئيًا؟

222 ألفًا إضافية

شملت المبادرة الخضراء في دبي سلسلةَ مشاريع للتشجير والتنسيق المناظري عند المفترقات وعلى الطرق الرئيسة في أنحاء المدينة نُفِّذت بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو من هذا العام. نحن نتحدث عن مشروع نفذ على نطاق واسع امتدّ على أكثر من3  ملايين متر مربع، لجعل الفضاءات العامة في دبي ألطفَ، وأكثرَ تظليلًا وجذبًا. وإلى جانب 300 ألف شجرة وغرسة، زُرع أيضًا 222 ألف متر مربع من النباتات التي تشكّل غطاءً للتربة والأزهار الموسمية. وبفعل المشروع زادت دبي المساحات الخضراء في المدينة بنحو 67%.

دبي

وبحسب مدير عام بلدية دبي مرْوان أحمد بن جليطة، فالأمر ليس "مشروعَ تجميلٍي" آخر، بل خطوةٌ استراتيجية هدفُها تعزيزُ الهوية الحضرية والمشهد الجمالي لدبي وتكريسُها كمدينةً عالميةً رائدةً في الاستدامة. وتتماهى المبادرات الخضراء، على حدّ قوله، مع استراتيجية جودة الحياة في المدينة، وتهدف إلى ترقية الفضاء العام، وتوفير بيئة معيشية نابضة وصحيّة، والحفاظ على توازنٍ بين المشهد الحضري والمعماري والبيئي. وقال بن جليطة في تصريحٍ للإعلام "نلتزم أعلى معايير البستنة المبتكرة والمستدامة، وننظر إلى هذه المشاريع كإسهامٍ لا في المظهر فحسب، بل في أثرٍ بيئي واجتماعي أوسع بكثير".

وللحفاظ على المظهر المزدهر من دون هدرٍ لمياهٍ ثمينة، جرى تركيب أنظمة ريٍّ ذكية تشمل مضخّاتٍ تحت سطحية وشبكاتِ تحكّمٍ عن بُعد. وتعتمد الأنظمة على تقنيات "إنترنت الأشياء (IoT)" التي تتيح المتابعةَ لحظة بلحظة ونجاعة استهلاك المياه، كلّ ذلك ضمن الجهود لجعل المشروع صديقًا للبيئة في تشغيله أيضًا، لا في مظهره الخارجي فقط.

غسيلٌ أخضر؟

على الورق، تبدو الخطوة لافتةً توفّر حلًا بصريًا وبيئيًا معًا؛ غير أنّ حجمها الاستثنائي يثير أسئلةً جوهرية. هل يُلائم مكانٌ كدبي -بمناخٍ متطرّف ودرجات حرارة صيفية تتجاوز 45° درجة مئوية وتربةٍ رملية فقيرة- تعزيزَ زراعة الأشجار على هذا النطاق فعلًا؟

رغم الحلول التقنية المتقدّمة، يرى بعضهم أنّ التشجيرَ الحضريَّ في الصحراء هو جهدٌ مصطنعٌ ومكلف، وقد يكون مُضرًّا أحيانًا -خاصةً إذا استند إلى أنواعٍ غير محلية أو استلزم كمياتِ مياهٍ غير متاحة طبيعيًا. فالسؤال ليس كيف سيبدو المظهر، بل إلى أيّ حدٍّ هو مشروعٌ قابلٌ للاستدامة على المدى الطويل.

يقول البروفيسور أوري شَاينِس، وهو عالم بيئة ورئيس المنظمة الدولية TiME  العاملة على صون الموائل الطبيعية، "بيئيًا لا أرى في ذلك ميزةً كبيرة. يمكن فهم الدوافع؛ فزراعة الأشجار في المناطق الحارّة قد تُحسّن من ظروف السكان. لكن حين ننظر إلى الصورة الواسعة، نجده استثمارًا ماليًا هائلًا يبدو أحيانًا تبذيرًا. كان بالإمكان توجيه الموارد نفسها إلى مبادراتٍ بيئيةٍ أهمّ وأكثر نفعًا". ويضيف بأنه ينتج عن الأمر سؤالٌ آخر "هل زُرعت الأشجار حقًا لأجل التظليل وتحسين شروط الحياة، أم أنّ المقصود بالأساس خلق أثرٌ بصري أخضر؟ وبحسب الأرقام التي نشروها أخشى أنّ الجواب يميل إلى الاحتمال الثاني". أي إنّ الكمية الضخمة من الأشجار تدلّ على أن الهدف المركزي هو كتلة الزراعة لا بالضرورة جودة الأشجار وكفاءتها.

دبي

على العكس

إلى جانب سؤال الجدوى، يثير شَاينِس تخوّفًا من جهةٍ معاكسة، "فالتشجيرُ الواسع غيرُ المنضبط في المناطق الحارّة ليس غيرَ مفيدٍ بالضرورة فحسب، بل قد يسبّب ضررًا بيئيًا، ففي مثل هذه الأماكن قد تُنشئ الزراعةُ الكثيفة مناخًا محليًا جديدًا يرفع مستويات الرطوبة - وهي ظاهرة قد تفاقم موجات الحرّ. وعندما تُسخَّر مواردُ كبيرة لإنشاء غاباتٍ ضخمةٍ بلا رقابة فذلك -في رأيي- تبديدٌ هائل للموارد".

من أهمّ إسهامات الأشجار، قدرتُها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وبذلك تُسهم في تخفيف تغيّر المناخ والاحترار المناخي. لكن، وفق شاَينِس، ثارت في السنوات الأخيرة شكوكٌ حول فاعلية مشاريع التشجير الواسعة التي تهدف إلى امتصاص الكربون، حيث تتعرّض مشاريع كثيرة من هذا النوع اليوم لانتقاداتٍ متزايدة من علماء البيئة الذين يرون أنّها ببساطة لا تؤتي ثمارها. فهي ليست أداةً ناجحةً لمواجهة أزمة المناخ. ويضيف شارحًا بأن معدلاتُ نفوق الأشجار هي مرتفعة، والنزوع إلى زراعة أُحاديات النوع قد يُفضي إلى تفشّي الأمراض داخل تلك الأحراش.

ويُشير أيضًا إلى أنّ الكلفة الاقتصادية للمشروع في دبي مرتفعةٌ للغاية، وأنّه إذا أردنا فعلًا خدمة البيئة فيمكن تحقيق ذلك بكلفةٍ أدنى بكثير، حيث إنّ غرس شجرةً واحدة في دبي تُكلّف بضعَ مئاتٍ من الدولارات؛ بينما دولارًا واحدًا فقط قادرٌ على حماية نحو24 مترًا مربعًا من غابة قائمة. فبدل هدر الأموال على تشجيرٍ غير فعّال، الأجدى استثمارُها في حماية الغابات الموجودة؛ فهذا ما قد يُحدث فرقًا فعّالًا حقًا.

أُعدّت هذه المقالة بواسطة "زاڤيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعية الإسرائيلية للإيكولوجيا وعلوم البيئة.

דובאי: מדבר פורח או אשליה ירוקה?

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة