الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 01:01

التحكيم المجتمعي في الخلافات قبل أن تتحول الى عنف/ بقلم: جعر فرح

جعر فرح
نُشر: 09/11/19 11:49,  حُتلن: 16:37

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

جعر فرح في مقاله:

من المؤكد ان قضايا الاعتداءات الجنسية والقتل هي الأصعب للتدخل ولكننا يجب ان نعمل على التحكيم لان حجم الألم وتكلفة مسار التحكيم في الجهاز القضائي الإسرائيلي أصعب واعقد مما نتصور

نعاني في السنوات الأخيرة من موجه تصفية للحسابات الشخصية والجماعية على الشبكات الاجتماعية والتي تتحول لاحقا الى معارك بالشوارع بين متخاصمين بقضايا مختلفة. فتحولت خلافات على الأرض وخلافات على العمل والتشغيل والموارد المالية والمناصب الى حرب كلامية على الشبكات الاجتماعية يتبعها مواجهات عنيفة في الشوارع بين الخصماء. ويتحول خلاف على تعيين مدير/ة مدرسة او مستشار/ة تربوي او الفوز بمناقصة من مجلس محلي الى اطلاق رصاص بعد اطلاق التهديدات بالرسائل الالكترونية والمواقع الإلكترونية المتنوعة. ويتحول خلاف شخصي الى قضية مبدئية يستغلها المتسلق والمستفيد والصامت وتصرف عليها المبالغ الطائلة وقد تدفع ثمنها الأرواح. وتصبح المعايير المزدوجة وسيلة للاصطفافات بين أصحاب المصالح المعلنة والمخفية. فمن له مصلحة يتحول الى شريك او الى صامت عن الحق او الى محرض. وبدل ان نعالج جوهر القضية ونحل الخلاف العيني ننسى البداية وننشغل في إطفاء الحريق الذي يأكل اليابس والاخضر. فيتحول الخلاف الى حرب يخسر أطرافها الواحد اكثر من الثاني بدل ان يكسب الطرفان من مسار تحكيم عادل.

ولكي نخرج من حالة وصف الواقع الى تحرك يمكننا من علاج خلافاتنا علينا تشكيل هيئة وطنية للتحكيم المجتمعي والتدخل. فواقعنا الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي يحد من قدرتنا على استخدام الجهاز القضائي الإسرائيلي. اذ نشعر بغربة تجاه هذا الجهاز ونشعر بالكثير من الحالات بعدائية تجاهه مما يضطر مجموعات كاملة الى استخدام القوة لحماية سمعتها ومصالحها. وتدفع المجموعات المستضعفة من عائلات قليلة العدد او الطوائف الصغيرة او النساء ثمن استخدام القوة لتحصيل حق او باطل. وتتحول الاشاعات والنميمة الى وسيلة تحصيل حق او مصلحة بدل اجراء مسار عادل من فحص الحقائق.
فهل يستحق الخلاف الحاصل بقرية كفرياسيف الوادعة الى إطلاق الرصاص باتجاه بيت رئيس مجلس كفرياسيف شادي شويري. وهل يستحق خلاف على تعيين امام في مسجد بقرية طرعان الطيبة الى حرب شوارع يشارك فيها مئات الشباب ؟ وهل تستحق شائعة حول تحرش جنسي بحيفا الى حرب على الشبكات الاجتماعية ومواجهات خلال مظاهرات تطالب بحق النساء ؟ وكيف تحول قائد سياسي لحركة مثل أبناء البلد الى هدف تشهير علني قد يؤدي الى صدام بين عائلات بمدينة مركزية في الجليل ؟ وأصبحت عضوة كنيست تتجنب المشاركة بمظاهرة خوفا من مزايدات عليها ؟.

تحول التشهير والاشاعات والتي يلحقها الصدامات بالشوارع الى وسيلة الصدام المجتمعي فأصبحت طائفة على استعداد لحرق منازل أبناء طائفة أخرى على خلفية انتخابات لسلطة محلية تدير الفتات الذي نتلقاه من السلطة المركزية. وأصبحت الجمعيات التي شكلناها لتمهنن وتنظم نضالنا الوطني الى "سلطة" نستهدفها بدل ان نستهدف السلطة المركزية التي تمارس القمع والتهميش والتمييز ضدنا جميعا. فتتحول مديرة جمعية نسوية الى "متخاذلة" اذا لم تمنح مكان عمل لشاب او صبية ويصبح رئيس المجلس "سراق" اذا منع بيع المناقصات ويصبح المفتش على ميزانيات التربية الى عميل اذا رفض المصادقة على صرف أموال مقابل نشاط لم يتم تنفيذه ضمن برامج التعليم اللامنهجي. وقد روت لي هذا الأسبوع مسؤولة عن برامج تعليمية كيف تم استهدافها وتهديدها والتشهير فيها من قبل شركات تقدم خدمات تربوية في سلطة محلية لأنها رفضت المصادقة على ساعات لم يتم تنفيذها من قبل الشركة. وبعد مرحلة الاشاعات بحق المسؤولة أتت مرحلة التهديدات الهاتفية والتشهير الفيسبوكي والملاحقة بالسيارات. وحدثتني رئيسة لجنة أهالي كيف اضطرت الى ترك منزلها بعد ان نشرت مسؤولة اشاعات حولها لإبعادها عن طاولة التأثير واتخاذ القرارات باختيار مضامين التعليم التي تقدم لأولادها. ويلحق الاشاعات الشفوية او المكتوبة تحركات منها الصامتة، ومنها المؤيدة ومنها المتشفية ومنها المهددة. فيصبح موضوع مصلحة الطلاب هامشي ويتحول النقاش حول "مهنية" او "مصداقية" او "قدرات" الرئيسة المنتخبة بدل معالجة الخلل وأصبحت المصالح بتدبير وظيفة لشخص من عائلة معينة اهم من مصلحة عشرات الطلاب. وأصبحت تسمع الأصوات التي تقول "شو بدك بوجع هالراس ؟ وشو مصلحتك ؟ " بدل التعامل مع الحقيقة والدفاع عن مصلحة الطلاب.

المعايير المزدوجة والمصالح الاقتصادية
يرسل "أصحاب المصالح الاقتصادية" شباب بأزمة لتصفية الحسابات وكتابة التشهير على الحيطان وحرق السيارات ويجلس هو او هي في منزله او وراء شاشة الحاسوب ويعطي التبريرات للإشاعات والاعتداءات حسب مصلحته الشخصية. ويتحول الشاب او الصبية الى جندي بعصابة اجرام تهدد وتعتدي على من يحاول ان يحافظ على المصلحة العامة، فيخشى الطبيب ان يفحص مريضة بدون حضور ممرضة ويطالب المدير بالتغاضي عن تقصير موظفة والا سيتعرض للتشهير من قبل الموظفة / المعلمة واصدقائها ويرافقهم من له مصالح في المواقع المختلفة. وحين تعرض طبيب لاتهامات بالتحرش الجنسي ونشرت احدى الصحف تقرير بحقه قام زملاء له بتوزيع التقرير على مجموعات الواتس اب بدون تعليق او مع تعليق. وحين انتهت المحاكمة وتمت تبرئة الطبيب وعاد لمزاولة عمله تناسى هؤلاء القضية وتجنبوا خبر البراءة. وأصبحت موظفة بحزب او بمؤسسة تستشرس بهجومها ضد مدير مؤسسة زميلة او حزب اخر وتصمت حين تصلها شهادات حول تصرفات مديرها او قائدها السياسي. فتحولت المعايير المزدوجة الى علاقات قوة بين اشخاص. واذا كان الضحية مستقيم وعائلته منفتحة وتقدمية تصبح فريسة أسهل من رئيس سلطة محلية او عضو كنيست او مدير مؤسسة او شخصية دينية لديها بلطجية.

تحكيم بين مصالح وقيم
تقوم المجتمعات القوية على تطوير منظومة أخلاقية وقانونية مجتمعية ورسمية تستخدم في فحص الخلافات بين الافراد والمجموعات. وتمنح لمجموعات التحكيم صلاحيات واسعة وتحصل على حماية أخلاقية وقانونية تسمى رسميا "احترام هيئة التحكيم". وفي ظل أزمة الثقة داخل المجتمع العربي الفلسطيني في الجهاز القانوني الإسرائيلي اصبحنا بحاجة ماسة لمرجعيات تحكيم. ونستطيع ان نتعامل مع هذه المرجعيات في الخلافات بين الطلاب في المدارس وبين الجيران في الاحياء وبين الأحزاب والمؤسسات والشركات. وتقوم مؤخرا شخصيات بالتحكيم في الخلافات. وأصبحنا نشهد قرارات تحكيم تشمل غرامات على التشهير او حتى اطلاق رصاص على رجل من خالف قرارات التحكيم. ونشهد بالسنوات الأخيرة تدخل مجموعات مسلحة في الخلافات التي تنشب داخل السلطات المحلية او بين الجيران. حدثتني هذا الأسبوع صديقة كيف تم اطلاق النار على بيتها وحرق سيارتها بسبب رفضها ان تبيع بيتها لجيران بالسعر الذي حدده الجار. وأكدت ان هوية مطلق النار معروفة وان كاميرات المراقبة منتشرة على مداخل الحي ومخارجه ولكن الشرطة لم تتخذ الإجراءات لمحاسبة الفاعلين واعتقالهم. فاصبحت هذه السيدة وعائلتها رهينة لعصابات الاجرام على خلاف حول سعر بيت كان ممكن ان ينتهي بتحكيم عادل يقبله الأطراف.

نخوض تجارب متنوعة في كل بلدة تؤكد على حجم أزمة البحث عن المعادلة الاصح ما بين تحديات مجتمعنا الداخلية والنظام السياسي والقانوني المفروض علينا في الدولة. فبدل استهداف سياسة الحكومة التشغيلية والتي تميز ضد الشاب والصبية العربية أصبح رئيس المجلس ومدير المدرسة هو المستهدف من قبل هؤلاء الشباب وعائلاتهم ويطالب صاحب مصلحة تجارية تشغل 30 مواطن من مدينة بدفع الخاوة والا يطلق النار على مصلحته فيغلقها ويقيل عشرات العمال ويترك البلد دون ان يتحرك احد للدفاع عن المتجر والعمال المقالين.

لكي نخرج من حالة التخبط حول التدخل بالخلافات علينا تشكيل مرجعيات تحكيم مقبولة بين الناس. وعلينا ان نباشر بتطوير هيئات التحكيم الاخلاقية بين طلابنا في المدارس وبين مؤسساتنا الحزبية والإعلامية والدينية والثقافية والاقتصادية. فالخلافات بالمواقف والمصالح هي جزء من الحياة البشرية ويجب ان نتوقعها وان نعالجها لكي لا تتحول الى صراعات عنيفة. وعلى من لا يثق بجهاز التحكيم الرسمي عليه بناء جهاز تحكيم مجتمعي يتدخل بالخلاف بين الجيران والزملاء بالعمل والأحزاب السياسية. وعلى هذه الهيئات المجتمعية الحصول على التزام الأطراف باحترامها. وتشكيل هذه الهيئات هي قرار شخصي وجماعي بتحمل مسؤولية حل الخلافات ومنع تحولها الى عنف. وقد قمت شخصيا بالتدخل بعشرات الخلافات بين مرشحين في الانتخابات وبين جيران وطوائف وبين جيران وشباب. فهناك من يقف موقف المتفرج وهناك من يحرض وهناك من سيستفيد من العنف. وعلى الاغلب سيخسر أصحاب المصلحة من الخلاف الذي يتحول الى عنف. فالخلافات التي تحولت الى تشهير وعنف ستصل كل بيت وكل شخص بدون علاقة لخلفياتها.

ومن المؤكد ان قضايا الاعتداءات الجنسية والقتل هي الأصعب للتدخل ولكننا يجب ان نعمل على التحكيم لان حجم الألم وتكلفة مسار التحكيم في الجهاز القضائي الإسرائيلي أصعب واعقد مما نتصور. فنحن في مرحلة ان لم نقبل فيها التحكيم المجتمعي فسنضطر الى التوجه الى القضاء الذي قد لا يكون عادلا ولكن افضل من حملات التشهير على المواقع والعنف في الشوارع. 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة