القانون الدولي بين شرعية الشعوب وهيمنة القوة

سعدي الطميزي
نُشر: 21/09/25 19:18

القانون الدولي بين شرعية الشعوب وهيمنة القوة
سعدي الطميزي 
سفير فاسطين بجمهورية فيتنام الاشتراكيه


من المفترض أن تكون الأمم المتحدة ملاذا للعدالة ومنبرا للشعوب الساعية لتقرير مصيرها. لكن الواقع يكشف أن قرارات هذه المؤسسة غالبا ما تختطف بفعل نفوذ القوى الكبرى. وفي قلب هذا المشهد، تتحول الولايات المتحدة من داعية للديمقراطية وحقوق الإنسان إلى قوة تستخدم أوراقها السياسية لتجريد الشعوب من حقوقها. إن الفيتو الأخير  للولايات المتحدة الأمريكية وقرار وزارة خارجيتها، القاضي بمنع الرئيس محمود عباس ووفده من حضور اجتماعات الأمم المتحدة التي ستبدأ غدا في نيويورك، يمثل ناقوس خطر يذكر العالم بحقيقة أن واشنطن لم تعد تكتفي بالانحياز لإسرائيل، بل تجاوزت ذلك إلى تعطيل القانون الدولي بوسائل مباشرة.

هذا المواقف والقرارات الامريكية جاءت بالتزامن مع تحركات دولية، من بينها فرنسا والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا،  واللواتي أعلن عن نيتهن الاعتراف بدولة فلسطين خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومنع الحضور الفلسطيني في هذا التوقيت ليس صدفة، بل خطوة تهدف إلى شل قدرة الفلسطينيين على استثمار هذا الزخم الدولي. وهو ما يطرح تساؤلا صارخا: هل يعقل في العام 2025 أن تمنع قيادة شعب تحت الاحتلال من مخاطبة المجتمع الدولي من على منبر الأمم المتحدة؟

ومع بدء انعقاد الاجتماعات السنوية الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي ستنطلق غدا في نيويورك، يكتسب هذا الاستحقاق الدولي رمزية خاصة، فهو ليس مجرد دورة اعتيادية، بل محطة مفصلية ستشهد مؤتمرا دوليا موسعا حول حل الدولتين، وسط توجه متزايد من دول وازنة نحو الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين. وفي الوقت الذي كان يفترض أن يشارك الصوت الفلسطيني في صياغة هذا التحول التاريخي، جاء القرار الأميركي بمنع الوفد الفلسطيني ليكشف التناقض الصارخ: احتفال الأمم المتحدة بثمانين عاما من الدفاع عن مبادئ تقرير المصير والشرعية الدولية، يقابله إقصاء شعب ما زال تحت الاحتلال من حقه الطبيعي في مخاطبة العالم من على منبرها. هذه المفارقة لا تفضح فقط ازدواجية المعايير الأميركية، بل تضع المنظمة الدولية نفسها أمام اختبار حقيقي لصدقيتها وقدرتها على حماية جوهر رسالتها.

هذا المواقف الامريكية لا تعكس حيادا ولا تحفظا دبلوماسيا، بل انحيازا فجا لإسرائيل، ومنحها غطاء سياسيا لمواصلة حربها وسياساتها التي تدينها معظم دول العالم باعتبارها خرقا سافرا للقانون الدولي إلى حد ممارسة الإبادة الجماعية وفق التقرير الأممي الذي صدر مؤخرا. لقد بات واضحا أن الولايات المتحدة، بدلا من الالتزام بمبادئ المنظمة الدولية، تفرض إرادتها على حساب قرارات الجمعية العامة، وتمنح إسرائيل حصانة متواصلة من المساءلة، وذلك رغم الإدانات المتكررة من المجتمع الدولي للاستيطان، والتهجير، والاعتداءات على المدنيين. إن منع التمثيل الرسمي للشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة ليس سوى امتداد لهذه الحصانة، وتكريس لسياسة الكيل بمكيالين التي تفقد واشنطن أي شرعية أخلاقية في حديثها عن “السلام” و”حقوق الإنسان”.

عندما نقارن التجربة الفلسطينية الحالية بما عانته جمهورية فيتنام الديمقراطية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تتجلى صورة الانحياز الأعمى. آنذاك، استخدمت واشنطن حق النقض لمنع اعتراف الأمم المتحدة بفيتنام، ليس لأسباب قانونية أو إنسانية، بل لأنها ببساطة كانت تنتمي إلى المعسكر الآخر في الحرب الباردة. واليوم، يتكرر المشهد ذاته بصيغة جديدة: حصار سياسي لمن يسعى إلى الاعتراف بدولته، وانقلاب في الموقف الأميركي من ادعاء رعاية “السلام” إلى حماية الاحتلال. في التجربة الفيتنامية، تحقق الاعتراف بعد سنوات من الصمود وتغير موازين القوى، لتدخل فيتنام الأمم المتحدة عام 1977 دولة موحدة مستقلة. أما فلسطين، فرغم الإجماع الدولي شبه الكامل على حقها في دولة مستقلة، فإنها تواجه رفضا أمريكيا معلنا، ينطلق من مصلحة واحدة: حماية إسرائيل وتحصينها من أي مساءلة. ويتخذ هذا الرفض اليوم شكلا أكثر حدة: منع سفر القيادة الفلسطينية، واستعمال الفيتو لعرقلة أي خطوة على طريق الاعتراف.

الفيتو الأميركي لم يعد مجرد أداة إجرائية في مجلس الأمن، بل تحول إلى رمز لحماية الاحتلال، وحصانة مفتوحة لإسرائيل كي تواصل حروبها وممارساتها المنافية للقانون الدولي. لكن التاريخ يؤكد أن الحق لا يموت، وأن الشعوب التي ترى في الأمم المتحدة ساحة أساسية لنضالها السياسي ستنهض مجددا كلما توفرت الإرادة الدولية. إن القرار الأميركي الأخير يهدف فقط إلى تأخير الاعتراف بدولة فلسطين، لكنه لا يستطيع إلغاءه. فالإرادة الدولية ماضية في اتجاهها، حتى لو حاولت قوة واحدة حجبها. وفي كل محطة يذكرنا التاريخ بأن الصمود هو مفتاح الاعتراف، وأن الحق، مهما حوصر، يظل عصيا على الإلغاء.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة