الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 01:01

الهوس الثقافي!!/ بقلم: نبيل عودة

نبيل عودة
نُشر: 24/07/19 09:31,  حُتلن: 21:26

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

*هل من ضرورة لنثبت أن مساحة الحرية والتعددية الثقافية والفكرية وحرية النشر هي القاعدة التي جعلت ثقافة المهجر منارة ثقافية راسخة نحلم أن تنعكس بكل ثرائها في واقعنا الثقافي؟

*المنطق السليم يفترض ان يساند الأدباء بعضهم بعضًا للسير بالأدب ورفع مستواه الإبداعي

يدّعي بعض المثقفين ومدّعي الثقافة التفوّق في كل ما يطرحونه، والويل لمن يعترض على رؤيتهم أو يطرح ما يعارض تفكيرهم. الموضوع يرتبط برغبة تصل لدرجة الهوس لفرض السيطرة على الآخرين وعلى مجمل الحياة الثقافية، من رؤيتهم النرجسية الواهمة لمكانتهم المميزة في مجتمعاتهم. يظنون أنهم هم أصحاب الرأي الذي لا رأي قبله ولا بعده، هم المشكّلون للرأي الاجتماعي العام ولمسيرة الثقافة، هم الناطقون باسم مجموعاتهم السكانية والمعبّرون بشكل عام عن تطلّعات مجتمعاتهم المستقبلية بكل امتداداتها الإنسانية.. المنطق السليم يفترض أن يساند الأدباء بعضهم بعضًا للسير بالأدب ورفع مستواه الإبداعي ليعبّر عن تطلعاتنا في الحياة الحرّة الكريمة، إن النظرة الدونية للآخرين نمت على قاعدة لا تختلف كثيرا عن الفكر القبلي، حتى لو سمي ذلك الفكر بتنظيم سياسي.

التنظيمات السياسية في ثقافتنا مارست نهجا لا يمكن ربطه بالمفاهيم الإنسانية للثقافة. نمت لدى البعض الأوهام بالتميّز وعمّقتها، من رؤيتها أن ذلك يقوّي مكانتها داخل مجتمعها ويعزّز مكانتها في المنافسة على الأصوات الانتخابية. ربما في مرحلة ما كان يمكن تبرير هذا التصرّف، لكن مع انتشار الثقافة والوعي وانتشار التعليم وإمكانيات النشر أضحى هذا النهج نهجا سلبيا مثيرا للسخرية، بتمسّك البعض بأوهام التميّز، وبعضهم بتفكيرهم وإبداعهم ما دون المتوسط. هذه الظاهرة تجاهلت العديد من المبدعين، الأمر الذي يوجب إعادة تقييم مسيرتنا الثقافية بالتجرّد من ربطها بالتنظيمات السياسية والترويج الإعلامي الذي مارسته.

لا اكتب ذلك كتقييم، إنما كمثقف عاش تلك المرحلة وكان ناشطا بإطار سياسي لعب دورا مركزيا بفرض رؤيته والترويج لمثقفيه والسيطرة على وسائل النشر والإبراز لأسماء دون غيرها، ليس على قاعدة ثقافية تنويرية، بل حسب مصالح تخدم في النهاية فكراً وتنظيماً سياسياً، مع كل تقييمنا لدوره الايجابي في مرحلة تاريخية ما، إلا انه مع الوقت أضحى عاملا سلبيا مسيئا للواقع الثقافي وتطوره، طبعا التاريخ لا يتوقف عند رغبات البعض لذا بات من الضرورة إعادة تقييم واقعنا الثقافي بعقلانية.

بالطبع هناك أنواع من المثقفين غير دارجة للأسف الشديد بشكل بارز في ثقافتنا العربية. ربما نتيجة الواقع العربي وعلاقة المثقف مع سلطة تعدُّ عليه حتى أنفاسه. هناك مثقف مختلف نوعياً، وجوده نادر في مجتمعاتنا، يحدثنا عنه الفيلسوف الايطالي انطونيو غرامشي، انه "المثقف العضوي"، أي المرتبط، أو المنغمس بقضايا الجماهير التي كرّس نفسه لخدمتها، وليس بإطار حزبي ضيّق يحدّد متطلّباته من مثقّفيه. كان لطرح غرامشي فهما حزبيا ضيقا. المثقف كما طرحه غرامشي على استعداد لدخول السجون، النفي، المعتقلات ولن يتراجع عن إخلاصه لقضية الجماهير التي كرّس حياته بقناعة صلبة من أجل خدمتها. ما عدا فئة المثقفين التنويريين، الذين يحملون دماءهم على أكفّهم لا نجد داخل ثقافتنا العربية التي عانت وما تزال تعاني نسبيا من حصار ثقافي، هنا وفي العالم العربي، إلا قلّة من أمثالهم... واضح أن الكثير من المثقفين يضطرهم الزمن العربي الأسود للهجرة إلى الدول الغربية، حيث يمارسون نشاطهم الثقافي والفكري والنقدي بحرية لا تتوفّر لهم في أوطانهم.

من هنا رؤيتي أيضا للكثير من الحوار الذي نشهده في منتدياتنا العربية ومختلف مواقع الانترنت، بين أصحاب القلم، معظمه يعاني من النرجسية الشخصية، من رفض للآخر.. قليلون من المثقفين متّزنون ومنفتحون على الرأي الأخر.. ونقاشهم يتعلق بصميم الطرح وليس بشخصية صاحب الطرح.

على المستوى الذاتي وصلتُ لقناعة بعد تجربة، أن أتجاهل وأرفض الخروج إلى "عليهم".. مع أنني حتى في ردودي الجارحة والمؤلمة، أحافظ على مستوى ثقافي... البعض (المنغلق) يخرج تعابير وجمل مقالاتي من سياقها.. مثلا تحت ستار خدش الحياء، وتحت ادعاء الوطنية.. أما أن يرتكبوا الموبقات كلها، بما فيه "الزنا الثقافي"، وان يضطهدوا المرأة ويذلّوها، وان يتاجروا بالوطن، وان يتمتعوا بأحضان أصحاب الأموال والشأن، وان يغيبوا عن أي فعل ثقافي أو تنويري أو نضالي.. وتحولهم إلى صوت سلطوي ومرتشين وفسادين... فهذا ورع واستقامة في حسابات البعض.

قيم الثقافة كما الاحظ كثيرا ما تنقلب حسب السوق. ثقافة العرض والطلب دمرت ثقافة التنوير، بل دمرت مرحلة التنوير كلها في الثقافة العربية. الاعتقاد السائد والصحيح نسبي أن المثقف يبحث عن الحرية. ودائما تحركه الرغبة في نيل مساحة أكبر من الحرية والتعبير عن الذات وطرح الأفكار والآراء المختلفة. فلماذا تنعكس صورة المثقف في ثقافتنا العربية بسلبية وباضمحلال متواصل لمكانته الاجتماعية؟
لماذا يتلاشى دور المثقف العربي في حين يتعزّز دور المثقف في الغرب؟
لا أطرح ما أطرحه لأقدّم أجوبة قاطعة، إنما أطرح مادة للتفكير والنقاش.

إن وضع الحريات للمثقف العربي في تراجع منذ عهد الطهطاوي في منتصف القرن التاسع عشر... وما أحدثته الثورات العربية القومية، لا أجد له انعكاساً اليوم على الساحة الثقافية. بل أجد اختلالاً بالموازين القديمة وتراجعاً شاملاً على المستوى التنويري. من المؤكد أن إلغاء الحريات السياسية في الدول العربية قد أضرَّ بالحالة الثقافية.. وخلق مثقفين سلطويين تركوا آثارهم السلبية على مسيرة الثقافة والتنوير العربي.. فهل بالصدفة أن الثقافة العربية في المهجر أضحت في طليعة الثقافة العربية؟ وهل من ضرورة لنثبت أن مساحة الحرية والتعددية الثقافية والفكرية وحرية النشر هي القاعدة التي جعلت ثقافة المهجر منارة ثقافية راسخة نحلم أن تنعكس بكل ثرائها في واقعنا الثقافي؟
الموضوع كما قلت مطروح للحوار. ما قدّمته هي وجهة نظر أولية.. خاضعة للتطوير والتعديل والإضافة.
ولكن هل يمكن بسبب ما ذكرته أن نبرّر ونتسامح.. مع مستوى الحوار المهترئ في ثقافتنا؟
ألا يتحمّل المثقفون، مسؤولية التهاوي المخلّ بالمنطق السليم لمستوى حوارهم؟؟
هل من تبرير لأي مثقف كان، أن يلجأ لحوار مهترئ وتشهيري مليء باللسان السيئ، لمجرد أن الآخر له رؤية مختلفة ونهجاً مختلفاً وعقيدة مختلفة وانتماءً مختلفاً؟

للأسف أقول أن هذه الحالة تسود ثقافتنا اليوم. تسود حواراتنا على الشبكة العنكبوتية والصحافة بمجملها.. أنا لست خارج هذا الواقع.. حتى لا يقال برّأ نفسه من دم الصديق.
يمكن أن نعدّد عشرات الويلات، مثلاً أن تناقشني علنا على صفحات الانترنت، أن تعارض ما أجمع التابعون والمهرجون انه قمّة العبقرية والصواب.

لست في باب التعرّض إلى أسماء. لا تهمني الأسماء، إنما الظاهرة المرضية.
احد المنتديات الذي يتلفّع باسم الحضارة... تحت صيغة اسم الحضارة يرتكب ما لا علاقة له حتى بالتخلف، أي هو ما دون التخلف.

الأدب هو شكل من أشكال النشاط الجمالي والإبداعي للإنسان والأهم انه شكل من أشكال الوعي الاجتماعي للواقع الذي يعيشه الإنسان بكل امتداده معبَّرا عنه بالتخيّل أو بالدمج بين الخيال والواقع. لا أدب خارج المجتمع البشري وخارج الواقع الاجتماعي. لا أدب بدون مجتمع بشري يعي حقوقه ويجعل أدبه جزءا من نضاله التحرري، أو لخدمة قضية صادقة وإنسانية. ولا بد من التأكيد أن للأدب دورا جماليا، فكريا، تربويا، فلسفيا وسياسيا بالغ الأهمية في حياة المجتمعات البشرية وصيرورتها. لذلك تجاهل أسماء مبدعين لا يخدم تطوير ثقافتنا، بل يدخلنا بصراعات مختلفة لا تخدم ثقافتنا، بل تنظيمات نفعية وبعض الانتهازيين!!

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة