الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 18:02

بين الهندسة والغوص

النصراوية نيروز حسن المشارِكة العربية الوحيدة باستكشاف سفينة غارقة منذ 1400 عام

رغدة بسيوني
نُشر: 18/03/22 08:57,  حُتلن: 21:00

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

كل امرأة قادرة على تحقيق ذاتها وأن تُحلّق بعيدًا للوصول لأحلامها مهما كانت كبيرة، نشارككم تجارب بمثابة تقدير وحُب لنساء مجتمعنا المُثابرات الطّموحات المُغرّدات خارج كل سرب يحاول الحدّ من طاقاتهن، هي رسائل أمل لكُل امرأة، أم، شابة، طفلة، مُسنّة، من أجل بذل المزيد من المجهودات للنّهوض والمضيّ قُدمًا وتحقيق الذّوات وترك بصمة خاصّة لا تُنسى. "أجا دورِك"!

في المخاطرة جزء من النجاة

نيروز حسن شابة من مدينة الناصرة حاصلة على لقب أول في الهندسة المعمارية وشهادات في الغوص، وهي واحدة من أصغر المُشاركات في استكشاف الآثار البحرية والعربية الوحيدة التي شاركت بمثل هذه الورشات مؤخّرًا في البلاد.

وكان لنا حديث مع نيروز لتشاركنا تجربتها المتفرّدة في عالمها..
بداية الشغف..
"منذ صغري حلمت ان أصبح عالمة ومستكشفة، وفي كُل مرّة كنت أشاهد فيلما عن كنز ضائع أو عالم غريب يتم اكتشافه، كنت أتخيّل نفسي مكان المستكشف وأبدأ بحلّ الألغاز، هذه الأفلام كانت ولا تزال المفضّلة لدي إذ أنها تدغدغ شغفي وفضولي في معرفة المزيد واكتشاف المخفي. ومن المهم أن أشير إلى أنّ عائلتي لاحظت هذا الاختلاف في شخصيّتي وحب الاكتشاف فآمنت بي وغذّت هذا الجانب لديّ".

نقطة التقاء
تقول نيروز: "أعتبر عالم الغوص والبحار رحلة اكتشاف طويلة، وقبل دخولي لهذا العالم اتّخذت قرارًا بالتّعمّق بعالمي الخاصّ، وبناء على ذلك بدأت رحلة اكتشاف ذاتي وداخلي عام 2019 عندما قرّرت أن أهدي نفسي في يوم ميلادي دورة غوص لتكون بداية جديدة لمشواري، لكن قبل أن أخطو خطوتي الاولى في هذا العالم بنصف سنة تقريبًا واجهت الكثير من نقاط خوفي وكسرت الكثير من الحواجز منها وبشكل أساسي خوفي من البحر، بعدها عندما التحقت بالدورة الأولى كان الأمر بمثابة نقطة التقاء بيني وبين البحر وشعرت بشيء أكبر من الحب ووجدت نفسي هناك".

خطر وصعوبات ودعم..
أكملت: "الغوص جزء لا يتجزأ من شخصيّتي وطموحي المستقبلي، وأجد هذه التّجربة عميقة جدًّا، لكن لا شكّ أن هناك بعض الصعوبات التي اعترضت طريقي ولا تزال، منها صعوبات جسدية حيث انّ رياضة الغوص مع معدّات او حتّى الغوص الحر هي رياضة ليست سهلة وتتخلّلها الكثير من التحدّيات منها تأقلم الجسم مع الضغط المرتفع في العمق، والخوف من نوبات هلع داخل المياه، ومواجهة كائنات بحرية فضولية أو سامّة أو مؤذية مثل القرش، وهُناك أيضًا ما يُسمّى بـ"سكرة البحر" وهي حالة من الهذيان التي قد تحدث مع الغوّاص أثناء الغوص، والتي من الممكن أن تؤدّي في بعض الحالات للموت، وعدا عن هذه الصّعوبات فقد واجهت صعوبات نفسية واجتماعية بالذات لكوني شابة عربية في مُجتمع (مُحافظ)، ففكرة الغوص كانت غريبة بالنسبة للكثيرين، ولم يأخذوا الموضوع على محمل الجد واعتبروها مجرّد هواية ليس إلا، وواجهت الانتقادات غير المُباشرة بسبب سفري الكثير من أجل التدريب واكتساب مهارات في الغوص، ذلك لأنّ المجتمع لا يزال حبيس بعض العادات والتقاليد التي قدّ تحدّ من طموح الإناث وتضعهن في خانة مُعيّنة إذا خرجن منها قد يصبحن غريبات عنه، ويضعهن داخل قالب معيّن ويحدد لهن ما الذي يجب فعله وعمّا يمتنعن، الخوف من التّمرّد والاختلاف موجود ولكنّي أؤمن بالمقابل أنّ هناك أصواتًا تؤيّد الاختلاف بل وتدعمه وهذه الأصوات مهمّة في مجتمعنا لتقبل اختلاف الآخر واحترام أحلامه ورؤيته وإرادته في أن يكون ما يريد. واليوم أصبحت أرى هذا الدّعم بشكل واضح أمامي لأنّني استطعت إثبات أنّ شغفي ليس مجرّد موهبة عابرة بل هو أسلوب حياة مستمرّ.
أما عن مجتمعي الصغير –عائلتي-، فهم أجمل شيء في حياتي، فرغم خوفهم الدائم عليّ من مخاطر البحر وهذا العالم الواسع، إلا أنّهم لم يُظهروا لي في أي مرّة عدم تقبّلهم لطموحي وأحلامي، ولم يشكّلوا عقبة في استمراري بهذه الطريق، لكن كان من المهم ومن واجبي تجاههم أن أكون حريصة على حياتي وأن أتقدّم بهذا المجال بشكل مهني وآمن وأن أواظب على أخذ دورات للمحافظة على سلامتي وراحتهم النفسية. وليس أجمل من الفخر الذي أجده في عيونهم في كُل مرّة أحقق إنجازًا في مسيرتي، فأجدهم يشاركون الصّور ومقاطع الفيديو ويشيرون إليّ بأني ابنتهم أمام الجميع بكُل فخر. فأقلّ ما يُمكنني فعله من اجلهم هو شكرهم على وقوفهم الثابت في حياتي ومنحي الدعم والحصانة الكافية لاواجه من خلالها كل مخاوفي من اجل تحقيق أحلامي.

العربية الوحيدة المشاركة في الحفريات البحرية
تقول نيروز: "حتّى الآن اشتركت بورشتين في مجال الحفريات والاثارات البحرية، كان ذلك داخل إطار جامعة حيفا ضمن قسم الحضارات البحرية، الجدير بالذّكر أنّ دراستي لا علاقة لها بهذا المجال فأنا درست الهندسة المعمارية. وكنت محظوظة لأنّ صديقتي وهي طالبة لدرجة الأستاذية (PHD) في هذا القسم بالجامعة عرّفتني على المسؤولة عن الورشات وتمّ قبولي، وكان مفتاح هذا القبول هو خلفيتي بعالم الغوص وانخراطي به بشكل جدّي، فكان علي إثبات نفسي من الورشة الأولى وتحمّل المسؤولية التي ألقيت على عاتقي بشكل كامل ودقيق، فظروف العمل ممتعة ولكنّها صعبة بذات الوقت وللآثار التي نقوم باستكشافها أهمية وقيمة عالية لذا علينا التعامل معها بطريقة معيّنة لئلا نتسبب بإتلافها أثناء استكشافنا لها".

وتابعت حول هذه التجربة الفريدة قائلة: "رغم صغر سنّي إلا أنّني مررت بالكثير من التجارب التي صقلت فلسفتي بالحياة ونظرتي لمعنى الإنجاز، وأعتبر مشاركتي في استكشاف حطام من سفينة عمرها أكثر من 1400 عامًا، من أجمل وأهم الإنجازات في حياتي، بالذات كوني العربية الوحيدة التي تواجدت مع طاقم مهني وله باع طويل في المجال، أفتخر كثيرًا لأنّي كنت جُزءًا من هذه التجربة التي أعتبرها نقطة بداية مهمة جدًّا في مسيرتي، وسأواصل البحث والاستكشاف واكتساب المهارات لأنّي أؤمن أنّ الحضارات والتاريخ والاثارات هي أمر مهم للغاية ولولا العلماء والمستكشفين لما فهمنا الماضي والتاريخ والحضارات القديمة، فهي مهمّة لكي نستمر ونتطوّر في المستقبل. وبالتوازي مع إنجازي في إنهاء لقبي الأول بالهندسة المعمارية وسنوات من الجهد أجد هذا الإنجاز في عالم البحار رغم قصر الفترة يساويه قيمة وأهمية".

الحلم..
الغوص يعني لي الكثير، هو أكبر وأعمق من مجرّد هواية أو رياضة، أعتبره رياضة ونهج حياة جديد وفنًّا وحرية وسلامًا داخليًّا، حاليا أنا أعمل على إنهاء شهادتي الأخيرة لأصبح مدرّبة غوص سكوبا (مع معدات واكسجين). وطموحي في هذا العالم كبير ولا حدود له، ومنذ ستة أشهر دخلت مجال الغوص الحرّ وآمل أن أصل به بعيدًا، الغوص عبارة عن أداة فنية يمكننا أن نعبّر من خلالها عن داخلنا بكل حريّة، وأحلم أن أتمكّن يومًا ما من إيصال رسالة الفن والحرية والسلام عن طريق البحر من خلال التصوير أو ورشات تعليمية وتثقيفية لرفع الوعي في مجتمعنا حول أهميّة البحر والطبيعة وأهمية الحفاظ عليها. وفي المستقبل القريب أطمح أن أغني مسيرتي التعليمية وأكمل لقب ثان في مجال الهندسة المعمارية البيئية لأدمج بين الطبيعة والهندسة، وآمل أن أنجح بتسليط الضوء على أهمية عامل البيئة والطبيعة في التصميم المعماري والمدن، بالإضافة إلى ذلك أطمح بالعمل في مجال الأبحاث بالذات بما يتعلق بالمرجان والكائنات البحرية والتي تتطلّب هياكل هندسية داعمة لإنجاح هذه الأبحاث، ومن يدري قد أكون أنا مهندسة المستقبل في هذا المجال، الأحلام كبيرة وعلينا أن نؤمن بأنفسنا لنستطيع تحقيق أحلامنا كُلّها فلا شيء مُستحيل وبعيد".

أخيرًا..
علمني البحر والغوص أنّ لأصغر سمكة تأثيرًا كبيرًا يساوي نفس تأثير أكبركائن داخل البحر، وعرّفني على ذاتي بشكل أعمق وذوّت بداخلي الكثير من الأفكار والمبادئ أهمها الاحترام والحرية وتقدير الاختلاف ورؤية الجمال فيه والمرونة في التعامل مع الآخرين. بمقدور البحر أن يُشعرنا بصغر حجمنا وأنّ الحياة أكبر بكثير مما نعرف، وأنّه لكل شخص منّا تأثير كبير وعليه أن يستمرّ بالبحث حتّى يجد ذاته، تمسّكوا بأحلامكم واسعوا وراء الشّغف الحقيقي ورسالتكم في هذه الحياة، تجري الرياح كما تجري سفينتنا، نحن الرياح ونحن البحر والسّفن.

مقالات متعلقة